للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه، ولا ينتقض بقولنا: في الدار زيد وضرب عمرا زيد؛ لأن المراد بالجعل مكان الآخر أن يجعل متصفا بصفة لا مجرد أن يوضع موضعه، فدخل في جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر، ضرب زيد، حيث جعل المفعول مكان الفاعل، وخرج بقوله: والآخر مكانه، ولا بد في الحكم بالقلب من داع، إما لفظي لجعل النكرة مسندا إليه، والمعرفة مسندا، فإنه إذا وقع هكذا حكم بالقلب، وإما معنوي يدعو رعاية جانب المعنى كون الجزأين في الأصل على خلاف الترتيب الواقع، مثال أول: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (١) ومثال الثاني: ما أشار إليه بقوله: (نحو: عرضت الناقة على الحوض)، فإن الأصل فيه: عرضت الحوض على الناقة؛ فإن عرض الشيء على الشيء معناه:

إرائته إياه على ما في القاموس، ولا رؤية للحوض.

وفي الشرح؛ لأن المعروض عليه يجب أن يكون له إدراك؛ ليميل إلى المعروض، أو يرغب عنه، ومنه: أدخلت القلنسوة في الرأس، والخاتم بالأصبع. لعل النكتة في القلب في هذه الأمور أن العادة تحرك المعروض، نحو:

المعروض عليه والمظروف نحو الظرف، وهنا انعكس الأمر (وقبله السكاكي مطلقا) (٢)، وجعله نفسه اعتبارا لطيفا (ورده غيره مطلقا)، وقال: يجب أن يجتنب عنه (والحق أنه إن تضمن اعتبارا لطيفا قبل كقوله) أي: قولي:

رؤبة (٣) (ومهمه) أي: مفازة (مغبّرة) متلونة بالغبرة (أرجاؤه) أطرافه ونواحيه (كأنّ لون أرضه سماؤه (٤) أي: لونها) يريد: أن المضاف إلى السماء محذوف، ولك أن تجعل التقدير أي: هي لونها وتجعل ضمير لونها إلى الأرض، والمحذوف إلى السماء فيكون إشارة إلى القلب لا إلى حذف المضاف، والاعتبار اللطيف فيه ما شاع في كل تشبيه مقلوب من المبالغة في كمال المشبه إلى أن استحق جعله


(١) آل عمران: ٩٦.
(٢) انظر المفتاح ١١٣.
(٣) رؤبة بن عبد الله بن العجاج بن رؤبة التميمي السعدي، أبو الجحّاف، أو أبو محمد: راجز، من الفصحاء المشهورين، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كان أكثر مقامه في البصرة وأخذ عنه أعيان أهل اللغة، مات في البادية سنة ١٥٤ هـ وقد أسن، انظر ترجمته في الأعلام.
(٤) البيت لرؤبة في ديوانه ص ٣، المصباح ص ٤٢، الإشارات والتنبيهات ص ٥٩، المفتاح ص ١١٣، تأويل مشكل القرآن ص ١٥١، شرح عقود الجمان (١/ ١١٣)، والمهمه: الأرض القفر والمفازة.

<<  <  ج: ص:  >  >>