إذا كان بين آحاده كمال اتصال بتنزيله منزلة الواحد، صرح به الرضى، وأقام عليه آية بينة من القرآن، ولا يجوز أن يكون المحذوف خبر إن؛ لأن دخول اللام يسجل على أن المذكور خبر إن، فالتقدير: إني وقيار بها لغريب غريب، وقد عطف غريب على قوله: لغريب وقيار على محل ضمير المتكلم بعاطف واحد، ولا غبار عليه إذا كان العامل واحدا، فعلى هذا يكون خبر قيار عطفا على محل خبر إن؛ ليكون العامل فيه عامل قيار، لا على لفظه حتى يكون العامل فيه إن، لأنه مع ذلك لا يصلح أن يكون خبر قيار، ولم يثبت في محله جواز العطف على محل خبر إن، فلا تعويل على هذا التوجيه، وإن ذكره الشارح المحقق، بل لتوجيه أن العاطف يعطف مجموع قيار غريب على قوله: إني لغريب، عطف جملة على جملة، وبه قطع الكشاف في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى (١) الآية، لكن فيه تقديم بعض المعطوف على بعض المعطوف عليه، وهل يجوز؛ ولعله لهذا لم يتبعه الرضى (جعل) واو والصابئون اعتراضية، وبعد تجويزه ثقة يقول الزمخشري، وموافقة الإمام المرزوقي له، ودفعه فساد التقديم بأن المقدم في نية التأخير، وإن يتجه عليه أن تقديم المعطوف على المعطوف عليه أيضا في نية التأخير، مع عدم جوازه في السعة لا بد للتقديم من نكتة.
قال الزمخشري: النكتة التنبيه على أنهم مع كونهم أبين المذكورين ضلالا وأشدهم غيّا يتاب عليهم، إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم؟
وفيه أن هذا التنبيه حاصل بالحكم عليهم بأنهم يتاب عليهم، ولا مدخلية للتقديم، وقال الشارح المحقق: نكتة التقديم في البيت التسوية بين القيار ونفسه في التأثر بالغربة، أولو قال: إني لغريب وقيّار، لجاز أن يتوهم أن له مزية على قيار في التأثر عن الغربة؛ لأن ثبوت الحكم أولا أقوى، فقدمه؛ ليتأتى الإخبار عنهما تنبيها على أن قيارا- مع أنه ليس من ذوي العقول- قد ساوى العقلاء في استحقاق الإخبار عنه بالاغتراب قصدا إلى التحسر، ولا خفاء في الفرق بين النكتتين إذ أحداهما التسوية، والآخر كون البعض أولى من البعض، وأن يشعر