للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع سافر، كصحب وصاحب- يقول: سفرت أسفر سفرا أي: خرجت إلى السفر، وفي القاموس: رجل سفر وقوم سفرة ذو سفر ضد الحضر، والسافر المسافر لا فعل له، وقوله: مهلا بالتحريك أي تؤدة ووقارا، وقوله: إذ مضوا متعلق بالمهل (و) حاصل المعنى (أن) لنا حلولا في الدنيا قليلا وارتحالا (عنها) إلى وطن بعيد لا يقطع طريقه بسرعة، ولا بد لنا من تهيؤ أسباب كثيرة في قطع هذه المسافة، فلفظ البيت خبر، ومعناه: تحسر على عدم التمكن في هذا الحلول القليل من تهيؤ أسباب السفر الشديد، وقطع الأمد البعيد، وفي الشرح وفي السفر الرفاق قد توغلوا في المعنى، لا رجوع لهم، ونحن على إثرهم، ودلالة المهل على ما ذكرنا أظهر مما ذكره، والحذف هنا لقصد الاختصار، والعدول إلى أقوى الدليلين، وإتباع الاستعمال الشائع، فإنه كثر هذا الحذف في مثل هذا التركيب حتى قال سيبويه في كتابه: باب: إن مالا وإن ولدا، وقال الشيخ عبد القاهر: لو أسقطت إن لم يحسن الحذف، أو لم يجز؛ لأنها المتكلفة بشأنه، والمترجمة عنه، ولضيق المقام للتحسر ومحافظة الوزن، ولم يذكر الشارح إلا الوجه الثاني المضيق، ولقد نبه في هذا المثال على أن الخبر الظرف، مع كونه نائبا عن الخبر الحقيقي بحذف.

قال السيد السند: إن جعلت «إذ» اسما غير ظرف بمعنى الوقت جعلته بدلا عن السفر، أي: في السفر في زمان مضيهم، وإن جعلت ظرفا أبدلته من قوله: في السفر، والمعنى واحد، وفيه بحث؛ لأنه ذكر الرضي إن «إذ» لازم الظرفية لا يكون اسما إلا إذا أضيف إليه زمان، أو يكون مفعولا به، وأيضا التؤدة والوقار صفة السفر، لا وقت مضيهم، فالوجه ما ذكرنا (وقوله تعالى:

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) (١) جعل الشارح المحقق سبب إيراد هذا المثال كون المسند فيه فعلا على حذف ما تقدم، فإن المسند فيه، إما اسم، أو جملة، ونحن نقول: أورده للتنبيه على أن المحذوف فيه مجرد المسند، لا المسند، والمسند إليه بأن يكون أنتم تأكيد الفاعل المحذوف؛ لأنه لا يثبت كثرة


- ودلائل الإعجاز ص ٣٢١، والإشارات والتنبيهات ص ٦٣ والإيضاح ص ٨٩.
(١) الإسراء: ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>