والتفاوت في النظر والملاحظة، وكان الوجه أن يساعد تقييد النسبة، وكأنه دعاهم إلى جعله قيد الحدث: أن العدول من المصدر إلى الفعل لتقييد المصدر، فكما أن نسبة المفادة بهيئة الفعل قيد له، يناسب أن يكون الزمان- أيضا- قيدا له، ولقد وقع عبارة المصنف على وفق المصلحة، حيث لم يقيد التقييد (بأحد الأزمنة الثلاثة) وإنما لم يفصلها؛ لاشتهارها، وهي الماضي، والحال، والمستقبل على صيغة اسم الفاعل، كالماضي، أو اسم المفعول، وكلاهما المنقول الموافق للمعقول؛ لأن الزمان يستقبلك كما تستقبله، ومفهومات الثلاثة بديهة يعرفها كل واحد، وأوضحها المفتاح بقوله: والمراد: بالزمان الماضي: ما وجد قبل زمانك الذي أنت فيه، وبالمستقبل: ما يترقب وجوده، وبزمان الحال: أجزاء من الطرفين يعقب بعضها بعضا من غير فرط مهلة وتراخ، والحاكم في ذلك هو العرف لا غير هذا، وأراد بقوله: والحاكم بذلك: أن الحاكم بذلك البيان: هو العرف، فالعرف تعين الزمان الذي أنت فيه، وما هو قبله، وما هو بعده، وعدم فرط المهلة والتراخي، وتخصيصه بعدم فرط المهلة والتراخي، كما فعله السيد السند مما لا سند له، والمناقشة بأن في ذلك البيان: جعل الزمان الماضي في زمان قبل زمانك، فيلزم أن يكون للزمان زمان، وأن ترقب الشيء إنما يكون لشيء بعد زمان الترقب، فيلزم أن يكون لزمان المستقبل زمان، فمناقشة في تعريف هو للتنبيه على أنها واهية؛ إذ المراد بقبل مجرد التقديم، وبالترقب مجرد التأخير، كما لا يخفى، ولم يكتف بكون زمان الحال زمانا أنت فيه، وقال في بيانه: أجزاء من الطرفين، تنبيها على تحقيق حقيقة الزمان، وأن أجزاءه لا تجتمع، فبعض أجزاء الحال منتقض كالماضي، وبعضها مترقب كالمستقبل، ولولا العرف لم يكن لك زمان حال، والشارح عين الزمان الذي أنت فيه بزمان تكلمك، ولم يزد هذا البيان إلا تضييق دائرة الحال؛ إذ الحال لا يخص زمان التكلم، بل ربما يكون زمان فعل من أفعال أخر، ولما كان شأن البديهي أن لا يزيد التكلم فيه إلا التزلزل، رأينا صرف العنان عن كثير من الخواطر (على أخصر وجه)(١) احترز به عن، نحو: كان زيد منطلقا، وينبغي أن يؤخر عن
(١) نكتة الاختصار هى في الحقيقة مرجع البلاغة في هذا الغرض؛ لأن دلالة الفعل على الأزمنة الثلاثة بأصل وضعه، ووجه الاختصار بأن قولك: «قام زيد أو زيد قام» يفيد مع الاختصار معنى قولك: «زيد ... -