كلام النحاة برمتهم، حيث قالوا: كلم المجازاة تدل على سببية الأول، ومسببية الثاني إشارة إلى أن المقصود هو الارتباط بين الشرط والجزاء، فينبغي أن يحفظ هذه الإشارة، ويجعل مذهب عامتهم ما يوافق الميزانيين، وكيف لا؟ ولو كان الحكم في الجزاء لكان كثير من الشرطيات المقبولة في العرف كواذب، وهو ما لا يتحقق شرطه، فيكون قولك: إن جئتني أكرمك كاذبا إذا لم يجئ المخاطب، مع أنه لا يكذبه العرف، وذلك لأن انتفاء قيد الحكم يوجب كذبه، وفيه ما عرفت من أنه لا يخص السكاكي؛ لأن حصر الكلام في القسمين المذكورين يقتضيه اقتضاء بينا، وجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ظاهر فيه، ولا يلزم كذب القضايا التي شروطها غير متحققة؛ لأنه يجوز أن يكون المراد بالجزاء في قولك: إن جئتني أكرمك: أني بحيث أكرمك على تقدير مجيئك، وفي قولك: إن كان زيد حمارا فهو حيوان، أنه كائن بحيث يكون حيوانا على تقدير الحمارية، وفي قولك:
إن كان الآن طلوع الشمس، كان النهار موجودا أنه يكون النهار بحيث يتصف بالوجود على تقدير طلوع الشمس الآن، وعلى هذا القياس.
وإشارة قولهم المجازاة تدل على سببية الأول ومسببية الثاني إلى أن المقصود الارتباط بينهما غير سديد، بل هو كقولهم: في للظرفية، أي: لظرفية مجرورة لغيره، وله نظائر لا تحصى، ولم يقصد بشيء أن المقصود الارتباط بينهما، فإن قلت: إذا دار الأمر بين ما قال الميزانيون وبين ما قاله النحويون، فهل يعتبر كل منهما مسلكا لأهل البلاغة أو يجعل الراجح مسلكا؟ وأيهما أرجح؟ قلت: الأرجح تقليل المسلك تسهيلا على أهل التخاطب والاصطلاح، ولعل الأرجح ما اختاره النحاة، لئلا يخرج الجزاء عن مقتضاه، كما خرج الشرط؛ إذ مقتضى التركيب أن يكون كلاما تامّا، وأيضا هو أقرب بالضبط؛ إذ فيه تقليل أقسام الكلام، ولو اعتبره الميزانيون كما اعتبره النجاة؛ لاستغنوا عن كثير من مباحث القضايا والأقيسة، فكن حافظا لهذه المباحث النفيسة.
ومثل الشارح المحقق للتقييد بالشرط بقوله: أكرمك إن تكرمني، وإن تكرمني أكرمك، ولم يقصد بذلك: أن التقييد كما يكون للجزاء المذكور يكون للمحذوف؛ لأن النحاة جعلوا: أكرمك إن تكرمني محذوف الجزاء لعدم صحة