تقديم الجزاء على الشرط، بل قصد أن الشرط كما يكون قيدا للجزاء المتقدم يكون قيدا للجزاء المتأخر، فإن علماء المعاني لا يجعلون المتقدم على الشرط دالا على الجزاء، بل يجعلونه نفس الجزاء كما صرح به الشارح نفسه في بحث الإيجاز والإطناب والمساواة، وقال: حذف جزاء الشرط في مثل هذا التركيب لحذف المستثنى منه في المستثنى المفرغ له لرعاية أمر لفظي، لا يعتبره علماء هذا الفن، فإن قلت: لو جعل أكرمك إن تكرمني، من تقديم الجزاء على الشرط كان فيه مخالفة القانون النحوي المشهور، فلا يكون بليغا لانتفاء الفصاحة، قلت: لا شبهة في قوة هذه الشبهة، ولا يندفع إلا لتخصيص قولهم: مخالفة قانون النحوي المشهور بقانون لم يدع إليه أمر لفظي، ثم كون الشرط قيدا للجزاء بينه الشارح المحقق: بأن قولك: إن جئتني أكرمتك، بمعنى أكرمك وقت مجيئك، وليس كذلك بأنه قيد للجزاء؛ لأنه بمنزلة أكرمك على تقدير مجيئك، وكيف ولو لم يكن كذلك لكان إذا جئتني أكرمك من التقييد بالظرف لا بالشرط؟ لأن إذا ظرف مصرح، وله حيثيتان ظرفية، وتعليق، فباعتبار الظرفية تقييد بمفعول ونحوه، وباعتبار التعليق تقييد بالشرط، ومن مرجحات اعتبار النحوي أنه على مذهبهم لا يحتاج قولهم: إن تكرمني، فأكرم زيدا إلى تأويل؛ لأنه إما لطلب إكرام مقيد بتقدير إكرام، وإما لتقييد طلب الإكرام بتقدير إكرام على إطلاق اختلاف بين الشافعية والحنفية، وعلى مذهب الميزانيين لا بد من تأويل الإنشاء بالخبر لتمكن الحكم بين الشرط والجزاء.
(فلاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته من التفصيل) أي بما ذكر مفصلا (وقد بين ذلك) التفصيل (في علم النحو)(١)، والأولى: الاقتصار على قوله: من التفصيل في علم النحو، وفيه تعريض للسكاكي بأنه أتى بتطويل، حيث أتى بتفصيل في علم النحو، وإشارة إلى وجه إسقاطه تفصيله، واختار أدواته ليشمل الحروف والاسماء، ولا يخفى أن الحوالة إلى علم النحو إنما تصح لو كفى معرفة ما بين أدواته في معرفة الاعتبارات، وما ذكره لا يفيد إلا توقف
(١) لا يخفى أن تلك الاعتبارات اعتبارات نحوية، وليست في شيء من اعتبارات البلاغة إلا أن ينظر إلى دلالة أدوات الشرط على تعليق الجزاء بالشرط في أخصر عبارة، فتكون نظير حروف العطف فيما سبق، وذلك وجه ضعيف من وجوه البلاغة. بغية الإيضاح (١/ ١٨٦).