بقوله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وللأنعام عند القوم، وإن زيفه الشارح المحقق وخصه كالخطابين السابقين ففيه تغليب المخاطب على الغائب، وتغليب العقلاء على العقلاء؛ لأن لفظ كم يختص بالعقلاء، ويعقبه السيد السند بأن اجتماع التغلبين مقتضى الخطاب سواء فيه لفظ كم وكن، إذ الخطاب لا يكون إلا للعقلاء، ويدفعه أن خطاب غير العاقل لا يتوقف على التغليب، إذ لا تغليب في: يا جبال، ويا سماء، ويا أرض، فإنما يتعين التغليب للفظ كم فلذا تمسك الشارح في إثبات تغليب العقلاء على غيرهم بالخطاب بلفظ (كم)، ولم يكتف بمجرد الخطاب، ومنها تغليب الموجود على ما لم يوجد، وإسناد ما يخص الموجود إلى المجموع، ومثل له الشارح المحقق بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (١) فإن المراد المنزل كله.
أقول: يحتمل النظم توجيها آخر لعله أدق ولا تغليب فيه، وهو: أن المراد بمضي الإنزال واستقبال الإيمان كون الإنزال قبل الإيمان، ولا يتوقف فلاح المسلم إلا على الإيمان بعد الإنزال، ولا يجب عليه الإيمان قبل الإنزال، ولما كان المظنة بالفطن المحصل أن يتفطن بسهولة لنكت داعية إلى إيراد إذا في غير مقام القطع من سماع نكت إيراد أن مقام الجزم لم يشتغل إلى تفصيلها، ووثق بتمكنه من تحصيلها، ونحن نقتدي به رجاء أنك تهتدي بها (ولكونهما) قال الشارح: تعليل لقوله: كان كل قدم ليثبت الحكم من أول الأمر معللا، فيكون له استقرار لا يكون لما يذكر تعليله بعده هذا، وفيه أن في وضع الدعوى أولا وتعليلها بعد حصولها بعد انتظار وطلب، ويكون ذلك الحصول أتم، ويمكن دفعه بأن في إلقاء الدليل من غير شعور بالدعوى مزيد سوق الدعوى وحصولها بعد انتظار، والتحقيق أنه دليل على قوله: وإن وإذا للاستقبال وبيان الكم لقوله: كان كل، والمتعارف في إيراد مثل هذا التعليل توسطه بين ما هو أن له وبين ما هو له، وما بين ما هو لم له، والشائع فيه ومن ثم أو ولذلك إلا أنه لما بعد المشار إليه صرح بذكره، ولا يخفى أنه ليس أول التعليل قدم على المعلل في هذا الكتاب فليت شعري لم أخر التعرض له إلى هنا (لتعلق أمر) هو الجزاء (بغيره) هو الشرط (في