للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فنسب صفة العود التي هي لأصحابه إليه، والأوجه أنه غلب دخول أصحابه في ملتهم على دخوله، وعبر عن الجميع بالعود، ولا يبعد أن يستغنى عن التغليب بأن يجعل شعيب داخلا في ملتهم بحكم أن أطفال أهل الكفر إذا لم يكن أحد أبويهم مسلما داخلة في ملتهم وملحقة بهم، أو كان ذلك القول منهم باعتقاد أنه كان في ملتهم قبل نبوته، ومنها: تغليب العقلاء على غيرهم، كما قالوا في:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١) ونحن نقول: رب العالمين، أريد به العقلاء، وتربية غير العقلاء لمصلحة العقلاء، فهو مندرج في تربيتهم، ولا يبعد أن يكون تغليب المذكر على المؤنث من شعيب تغليب العاقل على غيره.

(ومنه: أبوان، ونحوه) لم يقل: وأبوين عطفا على المثال السابق وفصله عنه، تنبيها على التفاوت بينه وبين السابقين، فإن السابقين مما للتفرد المغلوب حق في اللفظ قبل التغليب، وإنما غلب لما هو زائد على جوهر اللفظ من الهيئة، وهذا مما ليس للفرد المغلوب نصيب في اللفظ أصلا، وإنما أطلق بجوهره ومادته لمحض التغليب، وبهذا ظهر أن بين المثالين السابقين شدة اتصال اقتضت عدم الفصل بينهما، وتوهم أن الفصل بين الأول والثالث فصل بين المتناسبين ليس بشيء، والمراد بنحوه: مرفوعا عمران وقمران، وإنما عبر بلفظ عمر؛ لأنه أخف، وبلفظ القمر؛ لأنه مذكر، والمذكر متعين، وإن كان المؤنث أخف من كذا في الشرح، ولا يبعد أن يقال: تعين المذكر في القمرين أيضا؛ لكون القمر أخف من الشمس، لأنه في تقدير شمسة، ولك أن تجعل: ونحوه مجرورا، ولا يخفى المراد منه حينئذ على نحوك، ووجه صحة تثنية الأب مع أنه حينئذ ليس له قدر مشترك مما بحث عنه في محله على أن عدم القدر المشترك في أبوين دون عمرين ممنوع، لجواز أن يكون التغليب تغليب صفات الأبوة في الأم على صفات الأمومة وجعله من أفراد الأب ادعاء، ومما يجتمع فيه تغليبان تغليب العاقل على غير العاقل، والمخاطب على الغائب قوله تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (٢) فإن قوله: يذرؤكم، خطاب لمن خوطب


(١) الفاتحة: ٢.
(٢) الشورى: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>