للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الذكور إشارة إلى الأنثى السابقة في كلامه، ولما حمله الشارح المحقق والسيد السند على ما نفيناه احتاجا إلى تأويل بعيد، لقوله: عدّ الأنثى من الذكور، يعني: هذا الحمل يشبه تغليب الذكور على الإناث في كون كل منهما استعمالا للفظ في غير الموضوع هو له، ولا يخفى أنه لا فائدة في هذا الكلام على أنه لم يبين المفتاح: إن عدّ الأنثى مجاز، وقد سبق على عد الأنثى تغليب آخر، وذكر بعد هذا التغليب تغليبات أخر، ولم ينبه في شيء منها على كونه مجازا، فلا بد من داع على تخصيص هذا المقام بالتنبيه، نعم، لا ينكر صحة التغليب في الآية باعتبار ما ذكره، إنما النزاع في كونه مراد المفتاح.

واعلم أن الشارح قال: ويحتمل أن لا يكون من في قوله تعالى: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ للتبعيض، بل لابتداء الغاية، أي: كانت ناشئة من القوم القانتين؛ لأنها من أعقاب هارون أخي موسى، وأقول: لا يخفى أن الأنسب حينئذ- أيضا- أن يكون في القانتين تغليبا ليكون وصفا لها بصلاح آبائها وأمهاتها، ومنها: تغليب جهة الخطاب على الغيبة بأن يجتمع في شيء هاتان الجهتان، فيغلب الخطاب على الغيبة (و) نحو (قوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١)) فإن القوم مخاطب من حيث المعنى لحمله على المخاطب غائب من حيث اللفظ، فجعل وصفه على صيغة الخطاب.

ومنه: أنت وزيد فعلتهما، فغلب فيه خطاب المعطوف عليه على غيبة المعطوف.

قال الشارح المحقق: ومنها تغليب المتكلم على المخاطب أو الغائب، نحو: أنا وأنت فعلنا، وأنا وزيد ضربنا وفيه نظر؛ لأن ضمير المتكلم مع الغير موضوع لمتكلم معه غيره سواء كان غائبا أو مخاطبا، فهو في المثالين على حقيقته ولا تغليب، فالمثال المطابق لتغليب المتكلم على الغائب، نحو: نحن رجال نفعل، على صيغة المتكلم مع الغير، وجعل المفتاح من أمثلة التغليب قوله تعالى: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا (٢) غلب اتباعه


(١) النمل: ٥٥.
(٢) الأعراف: ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>