للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح المحقق: وذلك يكون بأن يجرى على الذكور والإناث صفة مشتركة المعنى بينهم على طريقة إجرائه على الذكور خاصة (كقوله تعالى:

وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١) عدت الأنثى من الذكور القانتين بحكم التغليب؛ لأن القنوت مما يوصف به الذكور والإناث، والقياس كانت من القانتات، هذا كلامه ولا يخفى أن إجراء الصفة على الذكور والإناث على طريقة إجرائه على الذكور خاصة هي التعبير عن مجموع أي الذكور القانتون، وقانتة، أو القانتات بالقانتين؛ إذ لا بد من شمول القانتين لمريم، حتى يصح جعلها منهم بحكم من التبعيضية، وحينئذ لا يصح قوله على طبق المفتاح والإيضاح: عدت الأنثى من الذكور؛ إذ عدت الأنثى من مجموع من الذكور، والأنثى أو الإناث، وإن أدل تلك العبارة بأن المعنى: جعلت بمنزلة الذكر في التعبير بلفظ يختص بالذكر، كما أول السيد السند في شرح المفتاح، فلا توجيه لقوله، والقياس: كانت من القانتات؛ لأن المراد أنه من جملة مجموع من القانتين، ومريم، أو القانتات، وليس القياس فيه القانتات، والتحقيق أن التغليب في الآية يتصور على وجهين:

أحدهما: أن يراد بالقانتين: القانتين والقانتات تغليبا: وثانيهما: أن يراد بالقانتين: الذكور، وتجعل مريم قانتا تغليبا: لوصف قنوتها الذي لا يكون إلا للرجال الكمّل على الصفات الأنوثة، وتجعل بذلك الاعتبار ذكرا، فتعد من القانتين، فحينئذ لا تغليب، ولا يجوز في القانتين؛ إذ المراد به الذكور الصرف، ومما يستدعي جعلها بمنزلة الذكور أنه تقبل تحريرها، مع أنه لم يكن المحرر إلا للذكور، وهذا هو معنى قول المفتاح: عدت الأنثى من الذكور بحكم التغليب، وبهذا الاعتبار يصح أن القياس: كانت من القانتات، لكن أول كلام الشارح يأبى عنه، وهكذا الحال في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ (٢) حيث قال المفتاح: عدّ إبليس من الملائكة بحكم التغليب عد الأنثى من الذكور يعني: غلب صفة عبادته وما به يشبه الملائكة على صفات الجن، فجعل من الملائكة لا أنه عبر بالملائكة عن إبليس، والملائكة لتغليب الأفراد الكثيرة على واحد مغمور فيهم، وقد نبه عليه بقوله: عدّ الأنثى


(١) التحريم: ١٢.
(٢) البقرة: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>