للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْداءً خالصي العداوة، على ما تفيده صيغة العدو من المبالغة وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ أي: بالقتل والضرب والشتم وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (١) أي: تمنوا ارتدادكم عن دينكم، حيث قال التعبير بالماضي؛ لأن للزوم ودادتهم أن يردوهم كفارا ومصادفتهم والظفر بهم لا يحتمل من الشبهة ما يحتمله لزوم إلا ولين لهما، أعني: كونهم أعداء وبسطهم الأيدي والألسن إليهم من كفرهم؛ لأنها واضحة اللزوم بالنسبة إليهما؛ لأن ودادتهم لكفر المؤمنين ثابتة ألبتة، ولا أحب إليهم من كفرهم؛ لكونه أضر الأشياء بالمؤمنين، وأنفعها للمشركين؛ لانحسام مادة المخاصمة، وارتفاع المقاتلة والمشاجرة، بخلاف العداوة وبسط الأيدي والألسن إليهم؛ فإنه يجوز أن ينتفيا لدى المصادفة بتذكر ما بينهم من القرابة والمعارفة، وبما نشأوا عليهم من قولهم: إذا ملكت فاسمح، أي:

فأحسن العفو، وأما انتفاء ودادة كفرهم بأن يسلم المشركون، وإن كان ممكنا محتملا؛ لكن لا يخفى أنه أبعد وأخفى، ولا يخفى أن كلامه صريح في أنه جعل الجزاء متعددا، لا المجموع، وحينئذ توجه عليه ما أورده المصنف على توجيه الكشاف لمعنى ودوا، وستعرفه، إن شاء الله تعالى، وهو أنه لا فائدة لتقييد ودادتهم بالظفر والمصادفة، وهو أمر مستمر لا يخص بأحد النقيضين، وفرع عليه أن الأولى جعل ودوا عطفا على مجموع الشرط والجزاء حتى لا يتقيد بالظفر، وأورد عليه الشارح المحقق أنه يتجه مثله على قوله يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً إذ عداوتهم ثابتة ظفروا أو لم يظفروا، ولا يمكن فيه هذا التوجيه، فالوجه أن المراد: إظهار الوداد وإجراء مقتضياته، وكذا في الكون أعداء، ونحن نقول:

أولا أن العداوة بعد الظفر ووداد كفرهم غير بين؛ لأنهم يكونون حينئذ خدما وسبيا لهم، ولا يكون لهم اعتداد بشأنهم، فيجوز أن لا يكونوا متمنين لكفرهم، فيحتاج إلى الإخبار بخلاف الودادة قبل الظفر، فيكون للتقييد فائدة، وثانيا:

أنه يحتمل أن لا يودوا ولا يتمنوا كفرهم قبل الظفر؛ لأن في حبه ارتكاب مكاره ومشاق لا تكاد تحمل، فيكونون معرضين عن ذلك الوداد.

واعلم أنه قد أشار المصنف بقوله: كإبراز دون أن يقول: ولا يخالف ذلك


(١) الممتحنة: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>