ولوّم نفسه على ترك العبادة الكاملة، ولا يحتمل أن يكون وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تغليب أو يكون في المعنى وإليه رجوع الكل؛ لأنك عرفت أنه لا يصح تغليب المخاطب على المتكلم، وإن كثر (ووجه حسنه)(١) أي: التعريض المطلق أو حسن هذا التعريض، وخصوص ما ذكره يوافق الثاني إذ لا يجرى في قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ إذ لا يصح حيث لا يريد المتكلم إلا ما يريد لنفسه، ولو قال: إلا ما يريد لمن يحبه لكان وافيا، والأول إنما يسوغ لو حمل قوله لنفسه على سبيل التمثيل (إسماع المخاطبين الحق) الأولى المطلوب لجواز أن يكون المتكلم مبطلا يريد ترويج باطله وإسماعه (على وجه لا يريد غضبهم) أما فاعل يريد أو مفعوله، وجزم الشارح بالثاني لاحتياج الأول إلى الرابط تقدير أو على وجه لا يجعلهم غضابا، أو على وجه يوجب رضاهم حيث يرونه مشفقا مؤديا (وهو) أي: ذلك الوجه (ترك التصريح بنسبتهم)، والألطف عبارة المفتاح، وهو ترك المواجهة بالتصريح ... إلخ، فاعرفه (إلى الباطل وتعين على قبوله لكونه) أدخل في إمحاض النصح والشفقة (حيث لا يريد المتكلم لهم إلا ما يريد لنفسه)، قال السكاكي: ويسمى هذا النوع من الكلام المتصف يعني المفيد للإنصاف، وهو التسوية وعدم ترجيح نفسك على غيرك في أمر تنازع المخاطب فيه، وأصله من الإنصاف بمعنى: إعطاء النصف.
قال الشارح: ويسمى الاستدراج أيضا؛ لاستدراجه الخصم إلى الإذعان والقبول، ويقولون أنه مخادعة في الأقوال بمنزلة المخادعة في الأفعال، واعلم أنه كما يكون من نكت إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل كون ما هو للوقوع كالواقع، يكون كون الشيء واضح اللزوم، إما في نفسه، أو بالنظر إلى لازم آخر فيستعار الماضي؛ لتحققه من حيث اللزوم، لا في نفسه كما ذكره المفتاح في قوله تعالى: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ أي: يصادفوكم أو يأخذوكم، أو يظفروا بكم على ما في القاموس حيث قال: ثقفه، كسمعه: صادفه، أو أخذه، أو ظفر به، فلا يصح تفسيره ب: يجدوكم مشركو مكة، ويظفروا بكم على ما في الشرح يَكُونُوا لَكُمْ
(١) أي حسن هذا التعريض في قوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي، وما بعده. أما التعريض في قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فيفيد نسبته إليهم على وجه أبلغ من التصريح بنسبته إليهم.