للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: الحق في الجواب أن في قوله وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً على أصل معنى (لو) والمقصود: انتفاء الإسماع لانتفاء علم الخير فيهم، وقوله: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ابتداء كلام، إما لإفادة دوام التولي على ما ذكر، وإما لإفادة التولي لعدم الإسماع؛ إذ لا تولي بدون الإسماع.

وفيه بحث: لأن الإشكال بحاله؛ إذ لو كان هاتان الشرطيتان حقيتين، لكان استلزاما علم الله الإسماع، واستلزام الإسماع التولي ثابتين، ويلتئم منها قياس اقتراني، هكذا إن علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، وإن أسمعهم لتولوا، والنتيجة:

أن علم الله فيهم خيرا لتولوا، فلا بد من كذب إحدى الشرطيتين.

ولا مدفع له إلا بأن لا يفسر قوله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ بأنه لو علمهم صاحب خير وفطرة سليمة كما فسروه، بل يفسر بأنه: لو علم الله فيهم خيرا بالنسبة إليهم لأسمعهم ذلك الخير، ولا يهمله مع علمه بأنه لا ينفعهم الإسماع ليكون حجة عليهم، ويجعل (لو) بمعنى (إن)، فإنه قياس عند المبرد.

وبالجملة لا شك في مجيئه بقلّة، نحو: «اطلبوا العلم ولو بالصين» (١) و «إني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط» (٢) ويكون قوله: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا بمعنى: إن أسمعهم لتولوا، فلا خفاء حينئذ في صدق لو علم الله فيهم خيرا لتولوا.

ولا مانع عن جعله في النظم الكريم قياسا اقترانيا إلا ما ذكره الشارح من أن (لو) مختص بالقياس الاستثنائي في فصيح الكلام، لكنه ذكر في شرح مختصر ابن الحاجب: أنه في الأغلب في الاستثنائي، وحينئذ اندفع أيضا ما أورده الشارح من أن انتفاء التولي خير، فكيف ينفى علم الله الخير فيهم؟ لأنه إذا كانت (لو) بمعنى (إن) لا يكون فيها نفي العلم.

ولا يندفع بما دفعه الشارح نفسه من أن: انتفاء التولي لعدم الإسماع ليس خيرا، كما أن عدم قتل المسلم لعدم القدرة ليس خيرا؛ لأنه يدفعه ما اشتهر من أن من النعمة أن لا تقدر.


(١) أورده العجلوني في كشف الخفاء (١/ ١٥٤)، وهو موضوع، وانظر: ضعيف الجامع للشيخ الألباني برقم (١٠٠٥).
(٢) رواه الشافعي بلاغا في الأم (٥/ ١٤٤)، وذكره الحافظ في التلخيص (٣/ ١١٦) وضعفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>