للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، يدفع استبعاده أن التقييد لو كان منافيا لعموم النفي لما صح تقييد الجزاء المنفي بالشرط، إذ ليس ما يعتبر في الجزاء إلا التقييد بالشرط المصرح به، وقد جعل الرضي من قبيل، لو لم يخف الله، لم يعصه قوله تعالى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا (١) لأن التولي مستمر لهم أسمعهم الله أو لم يسمعهم، بدليل ما قبله، وهو: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ (٢)؛ لأن من لم يعلم الله فيه خيرا، فهو متول أبدا.

وتعقبه الشارح المحقق بأن: التولي بدون الإسماع غير متصور؛ لأن التولي هو الإعراض عن الشيء، وعدم الانقياد له، ولا يتصور بدون الإسماع (فلو) في الآية على حقيقتها، وأورد عليه السيد السند أنه: لا دخل في مقام المذمة لانتفاء التولي لعدم الإسماع، وإنما الذم في مجرد كونهم بحيث إن أسمعوا لتولوا، فيكون ذكر انتفاء التولي غير مناسب لمقام الذم، وكان اللائق: إن أسمعوا لتولوا، ويمكن دفعه: بأن ذكره للإشعار بأن عدم توليهم لعدم الإسماع، فلا فضل بهم، وهذا مناسب بمقام المذمة.

ولما أدانا الكلام إلى ذكر الآية الكريمة، ففيه بحث شريف نذكره لك، وهو:

أنه أشكل على بعض أن نظم الآية قياس اقتراني على هيئة الشكل الأول بديهي الإنتاج ينتج: لو علم الله فيهم خيرا لتولوا، والنتيجة ظاهرة الكذب وليس، من فساد الصورة، فتعين أن يكون إحدى مقدمتيه كاذبة- تعالى الله عن ذلك- وأجاب عنه بعض تارة بمنع كلية المقدمة الثانية، وتارة بمنع كونها لزومية، ومحصلة منع كونه قياسا لظهور انتفاء الشرائط، فكيف يتوهم قياس منه تعالى؟

فإنه شرائط الإنتاج، وتارة بمنع كذب النتيجة؛ لأن علم الله فيهم خيرا محال، والمحال جاز أن يستلزم المحال، وزيف الشارح المحقق هذه الأجوبة: تارة بأنه لا يصلح أن يكون قياسا اقترانيا، لأن (لو) مستعمل في فصيح الكلام في القياس الاستثنائي دون غيره، وتارة: بأنه كيف يتوهم أنه قياس أهمل فيه شرائط الإنتاج؟ ولا يخفى أنه خروج عن التوجيه لا يليق بشأنه.


(١) الأنفال: ٢٣.
(٢) الأنفال: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>