للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من استمرار الوجود، فيكون النفي المستفاد من لو داخلا على الاستمرار ورفعا له، ومن استمرار العدم، فيكون النفي المستفاد نفيا لأصل الفعل، ويكون الاستمرار المستفاد من المضارع واردا على النفي.

والظاهر من دخول النفي الأول، ولكن للثاني أيضا نظائر من جعل قوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (١) لاستمرار كفرهم وجعل: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢) للمبالغة في نفي الظلم، لا لنفي المبالغة فيه، وجعل: ما زيدا ضربت، لاختصاص زيد بنفي وقوع الضرب عليه، فدخول (لو) على المضارع لاستمرار انتفائه كقولهم: لو تحسن إلي لشكرت، فإن انتفاء الشكر إنما هو لاستمرار انتفاء الإحسان، لا لانتفاء استمرار الإحسان.

وأما في هذه الآية فذهب جار الله: أن المعنى: لو استمر- عليه الصلاة والسّلام- على إطاعتكم لوقعتم في الجهد والهلاك. ورجحه السيد السند بأن:

الوقوع في الجهد أو الهلاك إنما يلزم من استمراره على إطاعتهم؛ لأنه خلاف قاعدة الإبالة وانتكاس لأمر السيادة؛ لأنه يكون حينئذ تابعا مستعملا؛ لا حاكما متبوعا.

وأما موافقته إياهم في بعض ما يرونه ففيه استجلاب قلوبهم واستمالتهم بلا معتبرة، وذهب المفتاح إلى أنه: من قبيل لو تحسن إلي لشكرت، وبالغ فيه حتى ادعى حصره فيه، وكأنه أصاب؛ لأن المطلوب بالآية استمراره- عليه الصلاة والسّلام- على امتناع إطاعتهم، وتوطين نفوسهم على هذا؛ لأن إطاعتهم إطاعة الهوى، وأما موافقته- عليه السّلام- لهم في بعض الأمور فليس إطاعة لهم؛ بل إطاعة لله تعالى؛ حيث يكون مأمورا بالموافقة.

فإن قلت: ما فائدة قوله: في كثير من الأمور؟ قلت: التنبيه على منشأ وقوعهم في الهلاك؛ لأنهم كثيرون، ولكل منهم رأي. فلو أطعتهم في كثير من الأمر ووقعوا في اختلاف يوجب المشقة أو الهلاك؛ ففي عدم إطاعته توحيد أمرهم وتشريكهم في واحد ينفعهم وتوحيد كلمتهم وهو هلاك التمدن والتعاون (كما في


(١) البقرة: ٨.
(٢) ق: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>