(وأما تقديمه، فلتخصيصه بالمسند إليه)(١) أي: قصر المسند إليه على المسند، وكان الظاهر أن يقول: فلكون ذكره أهم لم يفصل على طبق بيان تقديم المسند إليه، إلا أنه تفنن لطي ذكر العلة، ووضع علة العلة مكانه، ومن جهات التقديم اشتهار المسند إليه على ضمير، نحو: في الدار صاحبها، فإنه لا يجوز:
صاحبها في الدار، وكونه ظرفا، والمبتدأ نكرة محضة، وتضمنه الاستفهام مع إفراده، لا مطلقا، كما ذكره الشارح، وكونه خبرا عن (إن)، والمصنف لا يذكر أمثالها؛ لأنها مفروع عنها في النحو، وإن كان لذكرها في هذا العلم من حيث إنها مقتضى الحال مساغ، ويجمعها في هذا العلم اتباع الاستعمال الواجب (نحو: لا فيها) أي: في خمور الجنة (غول) في القاموس: الغول الصداع والسكر والمشقة (بخلاف خمور الدنيا).
يرد عليه: أنه إذا كان تقديم المسند في الآية للحصر يفيد نفي حصر الغول في خمور الجنة، لا نفي الغول عنها.
وأورد عليه أيضا: أن تقديم المسند يفيد القصر في خمور الجنة، والمسند ليس إياها، بل مجموع الظرف المركب من الجار وضمير خمور الجنة.
ويمكن دفع الثاني: بأن شدة اتصال الجار والمجرور سوغ إسناد ما للمجرور إلى المجموع حتى ساغ أنه يقال: الجار والمجرور في محل النصب، لكن الشارح المحقق لم يلتفت إليه؛ لأنه جواب جدلي، وأجاب عنه بما يندفع به الأول أيضا: بأن جعل النفي جزءا من المسند تارة ومن المسند إليه أخرى، فقال: المراد: أن الغول مقصور على الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا.
أو أن عدم الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا، ويرد على الثاني: أنه كيف جاز الفصل بين حرف النفي والغول مع التركيب بينهما بالمسند؟
وأورد عليه السيد السند أيضا أنه يقتضي جواز أن يكون النفي فيما أنا قلت جزءا من المسند، فلم يكن فرق بين: ما أنا قلت، وأنا ما قلت: وقد بالغ في
(١) الباء داخلة على المقصور، فيكون المسند إليه في ذلك مقصورا والمسند مقصورا عليه.