للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإخلال ببيان المعنى موجبات للتقديم، فصلت في النحو من انتفاء الإعراب لفظا، والقرينة في الفاعل والمفعول ووقوع الفاعل أو المفعول بعد إلا، أو معناها ونظائرها في باب المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول، فتذكر، والإخلال ببيان المعنى كما يكون بظهور احتمال في التأخير واضح يصرف النفس عن فهم المقصود بأن لا يلتفت إليه، أو يصير مترددا كذلك يكون باحتمال تعلقه بغير ما علقه به لفظا، وأن لا يظهر له معنى، فليشوش فهم السامع، ويوجب تأمله فيه، ومكثه معه رجاء تحصيل معنى له، ومنه قوله تعالى: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (١) بتقديم قوله: من قومه على الوصف، وحقه التأخير؛ لأن الوصف من تتمة الموصوف، وحق الحال أن تأتي بعد تمام صاحبها، لأنه لو أخر لاحتمل أن يكون من صلة الدنيا على ما ذكره صاحب المفتاح، فإنه ليس الاحتمال إلا بحسب اللفظ من غير تأمل في المعنى؛ إذ لا معنى للحياة الدنيا من قوم نوح، وبهذا اندفع اعتراض المصنف على المفتاح بأن تعلق من قوله بالدنيا غير معقول، وإن شهد له الشارح المحقق بأنه حق، وإن كان مناقشة في المثال، وجعل الشارح إياه مناقشة في المثال إثر الإهمال؛ لأنه منازعة في جعله نكتة في الآية الكريمة، ويحتمل أن يكون الذين كفروا بدل بعض من قومه، فلا يكون هناك تقديم شيء على شيء (نحو: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) (٢) فيه مثال التقديم؛ لأن الأصل فيه التقديم، ولا مقتضى للعدول عنه؛ لأن الوصف المفرد مقدم على المركب، كما بين في محله، وعلى هذا لا يبعد أن يقال: قدم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) (٣) على قوله: (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (٤) لأنه محتمل الإفراد، ويحتمل الإفراد ينبغي أن يكون مقدما على الجملة الصريحة، ألا ترى أنه يجعل أين في: أين زيد؟ في حكم المفرد في وجوب التقديم على المبتدأ مع أنه جملة لكونها غير صريحة فإنه لو أخر (من آل فرعون) عن (يكتم إيمانه) لفهم غير المقصود، ولم يفهم المقصود، أشار إلى الأول بقوله (لتوهم أنه من صلة يكتم) والأولى صلة يكتم؛ لأنه ليس له صلات، حتى


(١) المؤمنون: ٣٣.
(٢) غافر: ٢٨.
(٣) غافر: ٢٨.
(٤) غافر: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>