يكون التبعيض في موقعه، وإلى الثاني بقوله (فلم يفهم أنه منهم) ويحتمل أن يكون التقديم لتحصيل صفة التوجيه، وهو إيراد اللفظ محتملا لوجهين، ولا يذهب عليك أن التحرز عن الإخلال ببيان المعنى يجري في تقديم الفضلة على الفعل أيضا، كقولك: أزيدا ضربت؛ لأنه لو قلت: أضربت زيدا؟ لانقلب إلى الاستفهام من الفعل، والمراد الاستفهام من المفعول.
(أو بالتناسب) عطف على قوله: ببيان المعنى أي: التقديم، لأن في التأخير إخلالا بالتناسب (كرعاية الفاصلة، نحو: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى)(١) فإن فواصل الآي على الألف، فقدم الجار والمجرور، والمفعول على الفاعل لذلك، وقدم الجار والمجرور على المفعول؛ ليتصل الفاعل بالمفعول، ولم يتعرض للتقديم الذي يكون المتكلم ملجأ إليه مضطرا، كما في: وجه الحبيب أتمنى، حيث قدم فهي المفعول على الفاعل؛ لأن تقديمه على بلجئ إليه، لأنه لا مدخل له في البلاغة، إلهي نبتهل إليك في قصر الآمال، على خير ما يسعد ختم الآجال، ونسألك قلب وجوه قلوبنا إلى التوجه إلى إفرادك بالعبادة يا معبود، والتوفيق لتعيينك على ما ينبغي في المشاهدة عند شهود كل موجود، يا واجب الوجود، ويا غاية كل مقصود، أيدنا بقصر التقديم على أمرك في كل ما هو الأهم، وارزقنا القيام بالنفي والاستثناء في مقام العطف إلى التوحيد على الوجه إلا.
(ثم القصر) قالوا: هو في اللغة: الحبس، ومناسبته بالمعنى الاصطلاحي ظاهرة، أقول: في القاموس القصر اختلاط الظلام، ولا يبعد أن يكون النقل منه؛ لأن في القصر الاصطلاحي اختلاط الحكم الإيجابي بالسلبي، وفي الاصطلاح على ما عرفه الشارح المحقق في شرح المفتاح جعل بعض أجزاء الكلام مخصوصا بالبعض، بحيث لا يتجاوزه، ولا يكون انتسابه إلا إليه، ولا يخفى أنه لا يصدق على اختصاص زيد بالقيام، فإنه لا تخصيص فيه لجزء من أجزاء الكلام بالآخر؛ لأنه لم يخص الفاعلية لزيد بالقيام، ولا مفعولية القيام بزيد، وإن لزم اختصاص القيام بزيد؛ لأنه ليس اختصاص جزء بجزء، بل اختصاص صفة بموصوف، لا