للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاتب، إلقاء حكمين لمخاطب يعلم الأول، فيخلو عن فائدة الخبر؛ إذ من البين أن ليس مقصودك إفادة أنك عالم به، بل مقصودك تسليم ما اعتقده، ولم يعد فائدة للخبر، وثانيهما: منكر وقد خلا عن المؤكد، وأن زيد قائم لا قاعد إلقاء حكمين منكرين بلا تأكيد، ويمكن أن يقال: القصد بالأول إفادة العلم به؛ لأن التسليم معناه الموافقة مع المخبر في العلم، والثاني تأكيد بأنه ألقاه مقرونا بتسليم بعض الدعوى، فكأنه قال: إني أخبر مع نصفة وتحقيق فأوافق فيما أعلم، وأخالف فيما هو منكر، وأما زيد قائم لا قاعد، فقد تأكد فيه لا قاعد بفهمه قبل ذكره من إثبات القيام، وتأكيد الحكم بالقيام بنفي القعود بقد تقرر أن أحدهما واقع، ومن هذا اندفع أن قوله: لا قاعد لغو؛ لأنه اتضح بإثبات القيام، ودفعه الشارح المحقق بأن ذكره للتنبيه على أن المخاطب يعتقد العكس ومجرد الإثبات خال عن هذه الفائدة، ولا يذهب عليك أن طريق العطف مخصوص بغير الحقيقي لا يجري فيه قصر حقيقي.

(ومنها) أي: من الطرق (النفي والاستثناء) (١) لا الاستثناء مطلقا، إذ الاستثناء من الإيجاب ليس القصد فيه إلى الحصر، بل إلى تصحيح الحكم الإيجابي، فهو بمنزلة تقييد طرف الحكم، فكما أن جاءني الرجال العلماء ليس قصرا، كذلك جاءني الرجال إلا الجهال ليس قصرا، وهذا بخلاف الاستثناء من النفي؛ فإن المقصود من نحو: ما جاءني إلا زيد قصر الحكم على زيد، لا تحصيل الحكم، وإلا لقيل: جاءني زيد، فتأمل.

وقال السيد السند في حواشي شرحه على المفتاح: ولعل السر في ذلك أن المستثنى إذا كان جزئيا للمستثنى منه، كما في المفرغ من المنفى، نحو: ما جاءني إلا زيد، وما يؤول إليه المفرغ المذكور إذا صرح فيه بالمقدر، نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، حسن أن يعتبر اعتقاد المخاطب للشركة، أو للعكس، أو تردده في


(١) بخلاف الاستثناء من الإثبات فإنه ليس بقصر عندهم، وقيل: إنه قصر أيضا؛ لأنك إذا قلت «قام القوم إلا زيدا» قصرت عدم القيام على زيد، ومن يذهب إلى أنه ليس بقصر يرى أنه قيد مصحح للحكم لا غير، فكأنك في هذا المثال قلت: جاء القوم المغايرون لزيد، كما تقول «جاء القوم الصالحون» وهذا بخلاف قولك «ما جاءني إلا زيد» فإن الغرض من النفي والإثبات المحققان للقصر، ولهذا يستعمل النفي والاستثناء عند الإنكار بخلاف الاستثناء من الإثبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>