للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن يعم الفصل المعنوي واللفظي ليشمل هذا البيت، فالبيت عندهم من مواضع تعذر الاتصال، والظاهر أن مأخذ قول النحاة إشعار فيها إشعار بالقصر لانفصال الضمير، فلا معنى لجعله وجها ثالثا، فإن قلت: صحة انفصال الضمير معه ليس إلا لكون الضمير مستثنى في المعنى، والأصوليون لا ينكرونه، بل يجعلون إن للإثبات، وما للنفي لتحصيل معنى القصر، فمعنى إنما أدافع عن أحسابهم أنا عندهم أيضا ما أدافع إلا أنا فكيف يصير حجة عليهم. قلت: لو جعل أن للإثبات، وما للنفي لا يقع الضمير بعد معنى إلا، بل يكون التقدير:

إني أدفع عن أحسابهم، وما يدافع غيري، ويكون مآل الكلام القصر، ولا يخفى أنه لا يقع حينئذ الضمير بعد معنى إلا بخلاف ما قاله النحويون (قال الفرزدق [أنا الذّائد]) من الذود وهو الطرد [(الحامي الذّمار)] وهو العهد، وفي الأساس: هو الحامي الذمار؛ إذ أحمى ما لم يحمه لئيم وعنيف من حماه وحريمه [(وإنّما يدافع عن أحسابهم)] أي: القوم العار [(أنا أو مثلي)] (١) فلولا مراده أنه لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا؛ لقال: إنما أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي بتأكيد ضمير الفاعل ليصبح العطف عليه، وبهذا اندفع أنه لم لا يجوز أن يكون الانفصال للضرورة، على أنه لا يجوز للضرورة الإخراج عن الأصل، وإنما الجائز هو الرد إلى الأصل، والأصل في الضمائر الاتصال، وإسناد يدافع إلى أنا، إما لاشتراك الصيغة بين الغائب والمخاطب والمتكلم المنفصلين، وإما لأنه في الحقيقة مسند إلى مستثنى منه غائب، نقل عن علي بن عيسى الرلفي مناسبة بين إنما، ومعنى النفي والاستثناء دعت إلى وصفها له، وهو أن إن للتأكيد وما يزاد للتأكيد، ففي الجمع بينهما تأكيد على تأكيد، كما أن في القصر ذلك قال الشارح:

وجهه أن قولك: جاء زيد لا عمرو، لمن تردد المجىء بينهما، يفيد إثبات المجىء لزيد صريحا، وهو تأكيد للإثبات المطلق المسلم الثبوت، وفي قولك: لا عمرو إثبات المجىء ضمنا لزيد ثانيا: لأن المجىء لما كان مسلم الثبوت لأحدهما، فإذا نفيته عن عمرو إثبات المجىء، فقد أثبته لزيد ضرورة، فقد جاء تأكيد بعد تأكيد لنفس الحكم، أو تأكيد لخصوص الحكم بعد تأكيد لنفس الحكم هذا، ولا


(١) البيت في التلخيص ص ٣٨، والإيضاح ص ١٢٦، ومفتاح العلوم ص ٤٠٣، ودلائل الإعجاز ص ٣٢٨ وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>