للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه اختار ما ذكره الشيخ من أن النفي في ما نحن فيه النفي يتقدم تارة نحو: ما جاءني زيد، وإنما جاءني عمرو، وبتأخر أخرى نحو: إنما جاء زيد، لا عمرو، و (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (١) فإنه يدل على أن النفي الذي نحن فيه أعم من النفي بلا العاطفة والتنزيل برد كلام الشيخ، قال تعالى: (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢) وكان المناسب أن يقول:

ولا يجامع الثاني، يعني: النفي والاستثناء، فلا يقال: ما زيد إلا قائم، لا قاعد، وما يقوم إلا زيد، لا عمرو، كما قد يقع في تراكيب المصنفين، لكن لا يمكن أن يستشهد به، وإن كثر في الكشاف؛ لأن عبارته ليست مما يستشهد بها، فنفي المجامعة نفيها في كلام العرب العرباء والمهرة البلغاء، وما ذكره في تعليله مناسبة اقتضت نفي المجامعة، ومما ينبغي أن تنظر فيه نظر من يسلك في المزلقة ما يكاد يشتبه بالجمع بين لا والنفي والاستثناء، وهو ما يؤكد به النفي والاستثناء، وهو في صورة العطف بلا، وهو جملة مستقلة جيء به للتأكيد ليس إلا، ومنه قول الكشاف: ما هي إلا شهوات لا غير، فإنه لم يقصد عطف الغير على شهوات، بل جعل لا غير جملة مستقلة تأكيدا للقصر، وأراد به لا غير الشهوات موجودة، فكأنه قيل: ما هي إلا شهوات، ومنه قوله: وما كان ذلك إلا نفيا لا شبهة فيه الإسلام، فإن قوله: لا شبهة في الإسلام نفي جنس والمعنى لا شبهة في الإسلام، كأنه أكد به القصر السابق، وكيف لا يسمى هذا المسلك مزلقة؟ وقد عدهما الشارح المحقق من الجمع الذي يقع في كلام المصنفين، وأوضح به دعوى أنه مما يكثر في الكشاف، ويكاد أن تجري بإنكار الوقوع فيه ولا تخاف (لأن شرط المنفى بلا) العاطفة، كذا قيدها الشيخ في دلائل الإعجاز وصاحب المفتاح (أن لا يكون منفيا قبلها بغيرها) أي: منفيا نفيا صريحا، كما هو المتبادر بغير لا هذا حشو مفسد؛ لأنه يوهم أنه يجوز في العطف بلا أن يكون قبلها منفي بلا حتى يصح أن يقال: جاءني زيد، لا عمرو، ولا بكر، مع أنه صرح بمنعه الرضى، وأوجب أن يقال: جاءني زيد، لا عمرو، ولا بكر، وقال: فخرج لا مع الواو عن العاطفة إلى الزائدة، وبين هذا الشرط الشارح المحقق والسيد السند بما ذكر في


(١) الغاشية: ٢١ - ٢٢.
(٢) فاطر: ٢٢ - ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>