هذا ونقول إن إيراد المصنف لا يقتصر على هذا المقام، بل يتجه على مواضع متعددة وهي مذاهب جماهير النحاة منها زيد يعطي عمرا أمس درهما؛ فإنهم جعلوه في تقدير أعطاه درهما، في جواب ما أعطاه؛ ومنها زيد معطي غلامه أمس درهما، في جواب ما أعطى؛ ولا يمكن التزام الحصر فيه؛ إذ لم يردوا على الكسائي في قوله بأن المنصوب مفعول الصفة دون الفعل المقدر بأنه يفوت الحصر، ومنها قولهم إن زيدا ضرب الناس عمرا في تقدير يضرب عمرا في جواب من يضربه وقتها، قولهم في [ليبك يزيد ضارع] إنه في تقدير يبكيه ضارع في جواب من يبكيه؟ ومن البين أن ليس المعنى على أنه لا يبكيه إلا ضارع، ولو التزمنا القصرين في ما ضرب إلا عمرا زيد على مذهب بعض النحاة، لم يكن المخالفة بين السكاكي وذلك البعض في مجرد توجيه النصب بل في معنى التركيب أيضا، وحينئذ يرجح قول السكاكي (١) ومن تبعه؛ لأنهم لم يقولوا بذلك إلا بعد تحقيق المراد بالتركيب، والبعض أقرب بالغفلة عن أنه يلزمهم القصر بتقدير السؤال، فالتحقيق أن السؤال بمن يقتضي الحصر، لو لم يكن مقدرا ناشئا من الكلام فأبكى في تقدير من يبكيه مثلا في البيت قاصد تعيين الفاعل المتروك لا سائلا عن عموم الباكي فكأنك تريد من يبكي بالبكاء الذي قصدت الأمر به لقولك ليبك فتأمل.
(ووجه الجميع) أي: السبب في إفادة القصر أو طرز الجميع وطريقيه فيها في الجميع أي: جميع صور القصر مما هو بين المبتدأ والخبر والفعل والفاعل ومتعلقات الفعل إلى غير ذلك وإنما اقتصر على بيان الوجه في النفي والاستثناء لأن وجه القصر في العطف بين وإنما أرجع إلى النفي والاستثناء، والتقديم إما راجع إلى النفي والاستثناء أو إلى العطف مزيدا ضربت في معنى ما ضربت إلا زيدا أو زيدا ضربت لا غير، واقتصر على البيان في المفرغ؛ لأن البيان فيه يجعله مردودا إلى غير مفرغ فإذا بين فكأنه بين غير المفرغ أيضا (أن النفي في الاستثناء المفرغ) وهو الذي ترك فيه المستثنى منه ففرغ الفعل الذي قبل إلا وشغل المتعلق عنه بالمستثنى كذا قالوا فوصفه بالمفرغ وصف بحال المتعلق أي: مفرغ العامل أو على الحذف والإيصال أي: المفرغ له ونحن نقول هو الذي فرغ عن إعرابه ليشتغل بإعراب المستثنى منه والأولى أن يقولوا: ففرغ العامل الذي قبل إلا وشغل عنه بالمستثنى