للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(والاستبعاد: نحو: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) (١) كما يدل عليه قوله: (وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه) وبعد ما سمعت نبذا من علاقات المجاز للاستفهام، تمكنت من تخيل وجوه لم يسمع، فلذا تركنا المرء نفسه، فكلمة الاستفهام إذا امتنع حملها على الحقيقة، فافهم منها ما يناسب المقام مما سمعت إذ تؤديك إليه الفطرة السليمة عن السقام، وكذا إذا لم يمتنع حملها على الحقيقة، لكن دلتك القرينة على ما يتوسل إليه بالحقيقة، فتمسك بالكناية على حسب الدراية، فإن ساحة الكفر هنا رحيبة، والفطرة السليمة فيما يستحسنه مصيبة، ولست مقتصرا على السمع والطاعة، إذ للعقل فيه كمال البراعة.

(ومنها: الأمر) أي: من أنواع الإنشاء، فالأمر عبارة عن كلام تام دال على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا، وأورد عليه لا تضرب، فإنه يطلب الكف عن الضرب؛ إذ عدم الضرب لا يطلب؛ لأنه غير مقدور، وزيد لدفعه تقييد الفعل بغير الكف، وأورد بعد كف عن الكف، ولا يرد، لأنه لم يوضع كف للكف عن المشتق منه، بل للكف مطلقا، ولا يخفى أن تقييد الفعل بالمشتق يغني عن تقييده بغير الكف عن المشتق منه، وأن تقييد طلب الفعل بغير لا، بأن يقال: الأمر طلب فعل بغير لا على جهة الاستعلاء، أبعد عن التكلف، وأدفع للشغب، وربما يجاب عن الانتقاض بالنهي بمنع كونه لطلب الفعل؛ لأنه لطلب معنى حرفي ملحوظ بتبعية الغير، ولا يقال له: الفعل، وإن اتحد ذاته بالفعل، ألا ترى أن الابتداء فعل، ولا يقال: وضع من للفعل.

قال الشارح: لما اختلف في أن صيغة الأمر لماذا وضعت؟ فقيل:

للوجوب، وقيل: للندب، وقيل: لهما، وقيل: للقدر المشترك بينهما، وقيل:

بالتوقف، وقيل: لكل منهما للإباحة، وقيل: للإذن المشترك بين الثلاثة والأكثر على أنها حقيقة في الوجوب، ولم يكن شىء من أدلتهم مفيدة للقطع، أشار إلى ما هو أظهر لقوة أماراته، فقال: (والأظهر) وما جعله الأظهر هو الوجوب عند السيد السند، لأن الاستعلاء مختص بالوجوب، والقدر المشترك بين الوجوب


(١) الدخان: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>