للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يحتج إلى اعتبار اتصاله بالسؤال، فعلى هذا يمكن أن يكون وجه قوله فيفصل عنها، كما يفصل الجواب عن السؤال أنه يفصل عنها لكونها ابتداء كلام، ولكن لا يلايم ذلك جعل هذا القسم كالمتصلة، بل ينبغي تسميتها كالمبتدأ، والأمر فيه بيّن هيّن، ولك أن تقول اتصال الجواب والسؤال داخل في قولهم: أو بيانا لها؛ لأن الجواب بيان مبهم السؤال، ويمكن أن يجعل وجه فصل الثانية عن المنزّل منزلة السؤال أنه كالبيان له؛ لأنه يتبين به لأنه تضمنت السؤال.

ومنهم من جعل هذا القسم كالمنقطعة وادعى أن فصل الجواب عن السؤال لكمال الانقطاع بينهما لاختلافهما خبرا وإنشاء؛ ولهذا لم يعد الجواب والسؤال عن مواقع الفصل لاندراجهما تحت كمال الانقطاع، وليس بشيء لانتقاضه بقولك:

اضرب زيدا في جواب من أضرب؟ ؛ لأن الفصل فيه ليس باختلافهما خبرا وإنشاءا.

واعلم أن تنزيل الأولى منزلة السؤال من تصرفات المصنف، وأما غيره فاكتفى بمجرد تضمنها السؤال، ولا يخفى أن ما اعتبره بجعل الدواعي إلى الفصل أقوى، فقول الشارح بأنه لا حاجة إلى ذلك التنزيل تزييف لما هو الأحرى، ورفض لما اعتباره في نظير البليغ أولى، ولا يذهب عليك أن ما ذكره السكاكي من نكات التنزيل منزلة الواقع من نكات التنزيل منزلة السؤال.

ولا يبعد أن يكون قصد المصنف من نقله الإشارة إلى نكات ذلك التنزيل أيضا (قال السكاكي: فينزل ذلك) السؤال المدلول عليه (منزلة السؤال الواقع لنكتة كإغناء السائل عن أن يسأل أو) لأن (لا يسمع عنه شيء) كراهة سماع كلامه أو أن لا ينقطع كلامة بكلامه، ولا ينفك عن اتصاله ونظامه أو القصد إلى إفادة كثير بلفظ قليل إلى غير ذلك، والمقصود من نقل كلام السكاكي بيان أنه جعل الفصل بجعل المقدر كالمذكور، ففصل الجواب عنده عن السؤال المقدر لا عن الجملة الأولى بخلاف ما اعتبره المصنف حيث نزّل الجملة السابقة منزلة السؤال فإن الفصل عنها، وهذا أنسب بعبارة كالمتصلة بها وجعل وجه الفصل شبه كمال الاتصال بينهما (ويسمى الفصل لذلك استينافا).

وهذه التسمية تشعر بما ذكرنا من أن الفصل لكونه ابتداء كلام غير مسبوق بما

<<  <  ج: ص:  >  >>