المقامات فرب جامع في مقام لا يصلح جامعا في مقام آخر فإذا كنت في دعوى أن الموجودات متفاوتة تقبل منك قولك: الشجر طويل، والنملة قصيرة، والسماء متعالية، وماء البحر راكدة.
ومجرد الشيئية يكفي جامعا للمسند إليهما ومجرد الكون مفيد للتفاوت في المسندين، فليكن هذا ذخرا لك فإن لها منافع جليلة، ومؤنة ضبط قليلة. وبه يندفع ما أورده السيد السند على المصنف أن التعويل على ما ذكره السكاكي من كفاية الاتحاد في متصور، فإن الجامع ما يكون جامعا ولو في موضع ولا يدفع كونه جامعا أنه يمنع عن الالتفات إليه ومقام وخفى ضيق وخاتمي ضيق مقبول في مقام تعداد الأشياء الضيقة المتعلقة بالمتكلم لا يليق في مقام تعداد ضيقات العالم.
ووجه الدفع أن المسند إليه في الجملتين متناسبان في هذا المقام؛ لأن النظر في التعلق بالمتكلم (وزيد شاعر، وعمرو كاتب، وزيد طويل، وعمرو قصير لمناسبة) أي وقت مناسبة (بينهما) معتبرة في المقام كما عرفت فربما كانت أخوة أو صداقة أو مجرد إنسانية أو حيوانية أو جسمية أو شيئية فتفسيرهما بمجرد الأخوة أو الصداقة، وإن وافق الإيضاح تضييق للمسلك الرحيب، ولا يليق بمن له في معرفة الأساليب، عظم النصيب.
(بخلاف زيد شاعر، وعمرو كاتب بدونهما) أي: بدون تلك المناسبة (و) بخلاف (زيد شاعر، وعمرو طويل مطلقا) سواء كانت بين المسند إليهما مناسبة معتبرة أو لا لفوت المناسبة بين الشعر والطول، وقد عرفت أن فوت المناسبة بين الشعر والطول بعيد عن حيز القبول، نعم في أغلب الاستعمالات كذلك، ولا يخفى أن رعاية المناسبة بين الفصلات أيضا مما لا بد منها، وكما تستبعد الفعل جمع جملتين متباعدتين في المسند والمسند إليه يستبعد جمعهما في تباعد قيد من قيودهما، وإن كان تفاوت بين الفصلة وبينهما في الركنية؛ إذ لا يرى النظر البليغ فرق بينهما في جعل الجملتين متباعدتين ولا يبعد أن يقال: ما سوى المسند والمسند إليه من لواحقهما.