للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها ... شمس الضّحى وأبو إسحق والقمر) (١)

قال الشارح: فإن الوهم يبرزهما في معرض الأمثال، ويتوهم أن هذه الثلاثة من نوع واحد، وإنما اختلفت بالعوارض والمشخصات بخلاف العقل فإنه يعرف أن كلا منهما من نوع على حدة، وإنما اشتركت في عارض هو إشراق الدنيا ببهجتها على أن ذلك في أبي إسحق مجاز، هذا وفيه نظر؛ لأنه قد حقق أن المراد بالتماثل الاشتراك في وصف له نوع اختصاص بهما، لا الاشتراك في الحقيقة النوعية، وهذا الوصف هنا الإضاءة، وهي مشتركة بين الشمس والقمر فهما متماثلان حقيقة، بل نقول: المراد بالإشراق حسن حال الدنيا بالنور الحسي، وبالعدل الذي هو النور المعنوي. عبر عن الكل بالإشراق تغليبا فبين الثلاثة تماثل؛ لكونها تحت المصلح فتأمل.

ولك أن تجعل القدر المشترك بينهما البهجة (أو تضاد) (٢) وهو كون الأمرين الوجوديين بحيث لا يتوقف تعقل كل منهما على تعقل الآخر، ولا يمكن تواردهما على محل واحد، وحينئذ لا يصح تمثيله بما يتصف بالسواد والبياض، فالمراد بالتضاد ما يحتوي على هذا المعنى ما يتصف بالضد الحقيقي بطريق عموم المجاز.

ولك أن لا تتكلف في التضاد وتفسر قوله: بينهما بما يعم بين نفسيهما أو جزئيهما.

قال الشارح: التضاد هو التقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد بينهما غاية الخلاف.

هذا والتعاقب أن يلزم الضدان أن المحل كالصحة والمرض، وقد ذكر الأصفهاني أنه معتبر في التضاد الحقيقي كأن يكون بينهما غاية الخلاف، وغيره لم


(١) البيت لمحمد بن وهيب في مدح المعتصم، انظر البيت في الأغاني في ترجمة محمد بن وهيب وفيه اختلاف يسير: «ببهجتهم» بدل «ببهجتها»، وهو في شرح عقود الجمان: ١٨٧ منسوب لأبي تمام، وقد سبق الكلام على تقديم المسند في الجز الأول، والبيت في عطف المفردات وقد سبق أنه ليس من الوصل في رأي الجمهور، وإنما هو من مراعاة النظير، والثلاثة بينهما تماثل في الإشراق، انظر الإيضاح: ١٠٧، ١٦٢، ٣١٤ بتحقيقنا.
(٢) المراد به ما يشمل تقابل الضدين كالسواد والبياض، وتقابل الإيجاب والسلب، وتقابل العدم والملكة، والجمع بين ذلك باعتبار الوهم أيضا، أما العقل فيدرك كل متقابلين فيه من غير الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>