للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (١).

(المساواة) قدمها مع تأخيرها عن الإيجاز والإطناب في مقام التصوير لقلة مباحثها فأراد أن الشغل بمباحث كثيرة لا وجوبها بعد الفراغ عنها.

وأما في مقام التصوير فراعى علو شأنهما في باب البلاغة.

وقال الشارح: قدمها لأنها الأصل والمقيس عليه وفيه أن المقيس عليه للمساواة والإيجاز والإطناب هو المعنى على ما اختاره المصنف.

(نحو قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٢) أي: قول النابغة يخاطب أبا قابوس مغرب كاووس النعمان بن المنذر ملك العرب:

[(فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى [اسم موضع من انتأى عنه، أي: بعد] (عنك واسع)] (٣)

شبهه بالليل في حال سخطه، وضمن هذا التشبيه أمورا.

أحدها: أنه يدرك لا محالة كما هو شأن الليل، وأنه لا يخص إدراكه به، بل يشمل الجميع وتخصيصه به في الذكر لداع وأنه كان في غاية البعد يصل إليه، ويتجاوزه ولا ينتهي بمكان هو فيه وأن لليلة سخطة نهار لطيف ولا دوام لسخطه.

ومن لطايف البيان أنه ذكره مقدما على نفسه متباعدا عنه، ثم ذكره متأخرا متباعدا عنه تصويرا لوصوله إليه مع بعده، ولتجاوزه عنه وذكر نفسه بصورتين تصويرا وتخييلا؛ لأنه يبدل صورته من هو له.

قال الشارح المحقق: فإن قيل: لا يطابق شيء من المثالين لظهور الإيجاز فيهما، وأما في الآية فلحذف المستثنى منه، وأما في البيت فلحذف الجزاء، ونحن نقول: ولحذف المعطوف عليه للشرط، قلنا: اعتبار ذلك أمر لفظي ورعاية للقوانين النحوية من غير أن يتوقف عليه تأدية أصل المراد حتى لو صرح بذلك لكان إطنابا، بل ربما كان تطويلا، وبالجملة كون اللفظ البيت والآية ناقصا عن


(١) الأنعام: ٣٨.
(٢) فاطر: ٤٣.
(٣) البيت أورده القزويني في الإيضاح: ١٧٧، ومحمد بن على الجرجاني في الإشارات: ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>