الثاني للزيادة لإيهامه ومفسد لإيهامه خلاف المقصود، فإن قلت: الحشو المفسد ما يكون زائدا غير محتاج إليه في أداء المقصود، ويكون مفسدا ولا شبهة في أن الشاعر قصد ترتب عدم الفضل للندى على انتفاء لقاء شعوب، ولا بد منه في أداء هذا المقصود، نعم إنه كاذب، وفرق بين الكاذب والحشو المفسد.
قلت: هذا إشكال قوي وغاية ما يمكن أن يقال في دفعه: إن مراده أنه لا فضل لمجموع هذه الثلاثة لولا الموت؛ لأنه مع فضل الندى لا فضل للآخرين، فيصح أنه لا فضل للثلاثة، والمال نفي الفضل عن الشجاعة والصبر، فذكر الندى زائد موهم لخلاف المقصود فيكون حشوا مفسدا ويمكن أن يقال: ذكره استطراد لما جرى ذكر اثنين مما اشتهر بالفضل على لسانه جرى الثالث الذي يذكر معهما في مقام بيان الفضائل.
وذكر ابن جني في تصحيح البيت: أن في الخلود وتنقّل الأحوال من يسير إلى عسير، ومن شدة إلى رخاء ما يسكن النفوس ويسهل البؤس، فلا يظهر للبدل كثير فضل.
والأقرب أن أجلّ فضائل المال وأعلى ما يقعد به الهمم في حرزه أن ينسب به إلى دفع المهالك وفي ويتوقى به عن الفضاء، فلولا لقاء شعوب لم يكن له هذا الفضل، فللتنبيه على عظم هذا الفضل نفى جنس الفضل كأنه لا فضل له سوى ذلك.
(وغير المفسد وكقوله:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عمي) (١)
قوله: قبله، صفة الأمس بتقدير الكائن قبله، وهو الوصف للتأكيد، وإنما صار حشوا؛ لأنه لا فائدة للتأكيد فيه بخلاف ما أبصرته بعيني وسمعته بأذني وضربته بيدي؛ فإنه يدفع التجوز بالأبصار والسماع عن العلم بلا شبهة، وبالضرب عن الأمر به، ولك أن تقول اللام للاستغراق، أي: كل أمس ووصفه بالقبلية من قبيل وصف الجنس بما يعم كل فرد؛ تبيينا لعمومه وتنصيصا عليه، كما ذكر
(١) البيت لزهير بن أبي سلمى، أورده القزويني في الإيضاح: ١٧٥.