للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغير ذلك.

(واعلم) أن الأكثر وصف الكلام بالإيجاز والإطناب بمعنى عرفت (وأنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه عليها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له) أي: لذلك في الكلام (في أصل المعنى) وإنما قيد المعنى بالأصل لعدم إمكان المساواة في تمام المراد، فإن للإيجاز مقاما ليس للإطناب، وبالعكس ولا يوصف بالمساواة بهذا الاعتبار؛ إذ ليس المساواة بهذا الاعتبار مما يدعو إليه المقام بخلاف الإيجاز والإطناب (كقوله) أي: قول أبي تمام [(نصدّ عن الدّنيا) أي: نعرض عنها (إذا عنّ سؤدد)] (١) تمامه [ولو برزت في زيّ عذراء ناهد] الزي: الهيئة، والعذراء: البكر، والناهد: المرأة التي ارتفع ثديها، ولا يخفى أن السيادة أيضا من الدنيا، فالمراد من الدنيا غير السؤدد إلا أن يراد سيادة الآخرة، والأول أظهر.

(وكقول الشاعر الأحمر:

ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر (٢))

والعلياء كالحمراء الفعلة العالية على ما في القاموس.

قال الشارح المحقق: أراد بالغنى مسببه أعني: الراحة، وبالفقر أعني المحنة، يعني السيادة مع التعب مرجح عندي من الراحة مع عدم السيادة، ولا ضرورة إلى العدول عن الظاهر، فصراع أبي تمام إيجاز بالنسبة إلى البيت لمساواته له في أصل المعنى مع قلة حروفه، والمساواة إنما يتحقق إذا حمل النفي على المبالغة في نفي النظر، لا على نفي المبالغة في النظر كما يفيده أول النظر، وهذا الإيجاز قد يكون إيجازا بالتفسير السابق، وقد يكون إطنابا وقد يكون مساواة، وكذا هذا الإطناب (ويقرب منه) أي: من المصراع، والبيت مع التفاوت في كونهما نظمين، وكون ذلك نظما ونثرا قوله تعالى: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ


(١) البيت في ديوانه: ١١٢، وشرح عقود الجمان: ٢١٨، والإيضاح: ٢٠١.
(٢) البيت لأبي سعيد المخزومي، وينسب أيضا للمعذل بن غيلان، وهو في شرح عقود الجمان منسوب لأبي علي الحسن: ١/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>