الموضوع هو الذي به يفاد ويستفاد فيما هو المعتاد، وغيره خارج عن حيطة الاعتداد، وفيه نظر؛ لأن دلالة الهيئة أيضا وضعية معتبرة في الإفادة والاستفادة، ويجرى فيها أقسام المجاز، فلا وجه لإسقاطه عن درجة الاعتبار في مقام التقسيم وغيره، وذلك التحقيق، وأن يكفي فيه التقسيم البياني من أن دلالة اللفظ إما على الموضوع له أو على غيره، ويسمى الأول وضعية، والثاني عقلية، إلا أنه أراد مزيد تفصيل وتحقيق للدلالة على غير الموضوع له لزيادة تمكين المتعلم المبتدىء من معرفة العلم بهذا التعريف.
هذا على طبق ما جرى عليه الشارح، مع زيادة تحقيق، ونحن نقول بمساعدة توفيق أن لصاحبه علم البيان فضل احتياج إلى معرفة الدلالات؛ إذ بها يتميز الحقيقة عن المجاز، ويعرف أن يحصل المجاز بأي طريق، وإلى هذا يؤدي تحصيل مقدمة، أوجبه صاحب المفتاح قبل الخوض في علم البيان، بل يتأدى وليت شعري ما أغفلهم عنه، وهنا دقيقة أخرى محوجة إلى ذكر تقسيم الدلالة وتعيين ما يتعلق به التفاوت في الوضوح هي سر التكلم بالمجاز والعدول عن الحقيقة من غير ضيق البيان والأعوان.
هذا ولم يعرّف الدلالة لاشتهار أمرها، فنقول: الدلالة هي كون الشيء بحيث يحصل من العلم به العلم بشيء آخر، ولو في وقت؛ لأن المعتبر عند أئمة العربية الدلالة في الجملة بخلاف أهل الميزان؛ فإن المعتبر عندهم الدلالة الكلية المفسرة بكون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، فتعريف الدلالة في كتب العربية مما لا يليق به على أنه في نفسه مختل؛ إذ لا يكاد يوجد دال يستلزم العلم به العلم بالمدلول، والصحيح أن يقال هو كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر عند العلم بالعلاقة، وبالجملة فالأول هو الدالّ والثاني هو المدلول.
وقد يكون الشيء دالا على شيء ومدلولا له باعتبارين، كالنار والدخان فإن كلا منهما دال على الآخر ومدلوله، فالعلاقة إن كان الوضع فالدلالة وضعية، وإن كان اقتضاء الطبع وجود الدال عن عروض المعنى لطبع المحدث للدال فهي طبيعية، وإلا فعقلية كدلالة الأثر على المؤثر، وكل منها إن كان الدال فيها لفظا فهي دلالة لفظية، وإلا فغير لفظية وحصر الدلالة الطبيعية في اللفظية منقوض