وإنما قال: وإلا لم يكن كل واحد منها إلا ولم يقل وإلا لم يكن واحد دالا تنبيها على أن الشرط رفع الإيجاب الكلي، ولو قال: إن كان عالما بوضع كل لفظ لاستغنى عن هذا التنبيه، وأورد أنه لو توقف فهم المعنى على العلم بالوضع لزم الدّور؛ لأن العلم بالوضع موقوف على فهم المعنى؛ لأن الوضع نسبة بين اللفظ والمعنى، والعلم بالنسبة يتوقف على فهم النسبتين، وأجاب عنه الشيخ في «الشفاء» بأن فهم المعنى في الحال يتوقف على العلم بالوضع سابقا، وبعض المتأخرين بأن فهم المعنى من اللفظ يتوقف على فهم المعنى في الجملة.
قال الشارح: هذا قريب من الأول. هذا وفي الأول نظر؛ لأن فهم المعنى في حال إطلاق اللفظ قد يتوقف على العلم بالوضع فيها، والعلم بالوضع فيها قد يتوقف على العلم بالمعنى فيها ينتج العلم بالمعنى في حال إطلاق اللفظ قد يتوقف على العلم به فيها، فتأمل.
ويمكن الدفع أيضا بأن فهم المعنى من هذا اللفظ يتوقف على فهم المعنى، لا من هذا اللفظ، وبأن فهم المعنى بالوضع يتوقف على فهم المعنى لا بالوضع، ولا يخفى أن هذا الشك مع مزيحاته جارية في اشتراط مطلق العلم بالوضع في مطلق الدلالة الوضعية، بل لا في اشتراط العلم بالعلاقة في مطلق الدلالة؛ لأن العلاقة مطلقا نسبة بين الدال والمدلول يتوقف العلم بها على العلم بهما؛ لما بيّنا لك في بيان اشتراط الدلالة بالإرادة، وبعد يتجه أنه حين إطلاق اللفظ، وبذكر الوضع فهم المعنى لتوقف تذكر المعنى عليه فلا معنى لفهمه من اللفظ؛ لأنه تحصيل الحاصل.
فالتحقيق أن فهم المعنى من حيث إنه مراد بواسطة العلم بالوضع المتوقف على فهم المعنى لا من حيث إنه مراد، ويمنع الملازمة الأولى مستندا بجواز التفاوت بين المعاني الوضعية في حضورها عند العقل سرعة وبطئا، بأن يكون الأنس ببعض الألفاظ أكثر، والعهد بها أقرب، ويحتاج تذكر وضع البعض إلى تفكر وتأمل؛ لقلة تكرر على الحسن وندرة تكرر معناه على العقل.
وأجاب عنه الشارح بأن المراد بالاختلاف في الوضوح والخفاء أن يكون ذلك