وثانيها: أن إدراك القوة الغضبية إن أريد به العلم فلا إدراك للقوة الغضبية، وإن أريد النيل، فلا بد من الشعور به، حتى يكون لذة والشعور به ليس حسيا، كيف ونيل القوة الغضبية ليس معنى جزئيا متعلقا بمحسوس حتى يكون إدراكه بالواهمة أو ليست القوة الغضبية من المحسوسات.
وثالثها: أن تكيف الواهمة بصورة شيء يرجوه مما لا يعقل؛ لأنه إنما يدرك معنى جزئيا متعلقا بمحسوس والمرجو غير موجود، حتى يمكن تعقله على وجه جزئي، بل تعقله قبل الوجود إنما بوجه كلي فهو من مدركات العقل.
ورابعها: أن كمال القوة العاقلة لا ينحصر في الإدراكات النفسية، ولا في إدراك المجردات، بل إدراك المحسوسات أيضا كمال لها كالظنون مثلا. ومن كمالاتها الملكات الفاضلة كالشجاعة والسخاوة إلى غير ذلك. نعم أجل كمالاتها تلك الإدراكات.
وخامسها: أن الإدراك بالقوة الباطنة ليس من الصور المحسوسة، ولا من المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوس؛ لأن القوى غير محسوسة، بل عند التحقيق ذلك الإدراك صفة للنفس المجردة، فلا يكون لذة حسية بمعنى كون إدراكه بالحس.
واعلم أن نيل ما هو خير لا يخص نيل المدرك ما هو خير، بل نيل ما يحبه المدرك أيضا من قبيل اللذة فإدراك الشخص حس أنّبه، فإنه لذة مع أنه نيل أنبه ما هو كمال وخير له، وأن اللذة قد يكون بمجرد إدراك ما هو خير من غير نيل سوى الإدراك كإدراك الصور الحسنة، فإنه لذة ولا نيل سوى إدراكه. ودعوى أن اللذة بإدراك هذا الإدراك ليست ظاهرة، وحينئذ نقول: اللذة العقلية مجرد إدراك النفس الأمور المطابقة إدراكا ثانيا من غير أن يدرك إدراكها كما ذكره الشارح، فليكن سادس الأبحاث، ولتكن الجهات ستة، يكون كل منها لذة.
قال السيد السند: إنه لا يخفى أن إيراد أمثال هذه التحقيقات في أمثال هذه المقامات مما لا يجرى للمتعلم نفعا، بل ربما زاده خبرة في تفاصيل هذه المعاني ودقائق العبارات، فالأولى بحال هذه العلوم أن يقتصر فيها على الأمور العرفية، وما يقرب منها، ولعل ذاك افتخار منه باطلاعه على العلوم العقلية، وما ذكر فيه