للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السنة بالنور فرع تشبيه البدعة بالظلمة دون العكس أن العلم قد يكون مع الضلال، كما في العالم الغير العاقل، والجهل لا ينفك عن الضلال، أو أن التنفير عن البدعة متقدم على الترغيب بالسنة، فالتشبيه في البدعة أسبق أو أن ظلمة الكفر كانت سابقة قد ارتفعت بالسنة، فتشبيه الجهل والبدعة يستحق أن يكون سابقا على تشبيه العلم والسنة، وجعل السكاكي كلا منهما مستقلا.

(وشاع ذلك) أي: كل من التشبيهين (حتى يخيل أن الثاني) أي: كل ما هو علم (مما له بياض وإشراق) قدم الثاني على خلاف ترتيب الوجود والذكر السابق لقوة شاهده وشرفه، (نحو) قوله عليه السّلام «(أتيتكم بالحنيفية) أي:

بالملة الحنيفة المنسوبة إلى الحنيف أي: الثابت على الإسلام (البيضاء)» هذا لا يدل إلا على ثبوت البياض، دون الإشراق كما هو المرعى، ولو أريد بالبيضاء الشمس وجعلت صفة للحنيفية بتأويلها بالمشرقة كقولك مررت بزيد الأسد، أي: الجريء لم يدل إلا على تخييل الإشراق.

(والأول على خلاف ذلك كقولك: شاهدت سواد الكفر من جبين فلان، فصار) لذلك الشيوع المستلزم للتخييل المذكور (تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كتشبيهها) أي: بالنجوم بين الدجى (ببياض الشيب في سواد الشباب) في القبول والرواج (أو بالأنوار (١) مؤتلقة) بالقاف أي: لامعة (بين النبات الشديدة الخضرة) التي يرى أسود فنبه به على أن المحقق أعم من المحقق في الواقع أو في المرأى وبادي النظر، كما أشرنا إليه.

وقد جعل صاحب المفتاح البيت من التشبيه المقلوب على نحو:

وبدا الصّباح كأنّ غرّته ... وجه الخليفة حين يمتدح (٢)

ففيه ادعاء أن نور السنن صار بحيث يشبه به نور النجوم، وأن الابتداع فوق الظلمة في الإظلام وليس لك أن تجعل الكاف للتشبيه وأن من الحروف المشبهة


(١) جمع نور بفتح النون، وهو الزهر الأبيض أو الزهر مطلقا.
(٢) البيت أورده السكاكي في المفتاح: ٤٥١ بتحقيقي، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة: ١٨١ وعزاه لمحمد بن وهيب، وفخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز: ٢٢٠، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:
١٩١، والقزويني في الإيضاح: ٢٢٣، والطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح: ١/ ١٠٨. والبيت في مدح الخليفة المأمون. الغرة: البياض في الجبهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>