للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغيره مقامه، فما الفائدة للتعرض له؟ وما وجه تخصيصه بالانتزاع فإنه يجري في جميع التشبيهات؟ قلت: المقصود الفرق بين وجه التشبيه المركب والمتعدد بأنه في الأول لا يمكن إسقاط شيء من متعدد، وذكر بخلاف الثاني فإنه لا يخل بالتشبيه الاكتفاء بالبعض منه، ولا يذهب عليك أن من جهات الفرق أنه لا يمكن الزيادة على المتعدد الأول، بخلاف الثاني، وأنه قد يقع الخطأ أيضا بأن ينتزع من متعدد، ويجب الانتزاع بأقل منه، وهذا أنسب مما يستفاد من الإيضاح أن المقصود الفرق بين التشبيه المركب والتشبيهات المجتمعة بأنه يمكن الإسقاط في الثاني دون الأول؛ فإنه لو حذف شيء من التشبيهات المجتمعة لم يتطرق خلل بالتشبيهات الباقية، وأن يختل الغرض من الكلام، كما في: زيد يصفو ويكدر، فإنه لو حذف يكدر كان تشبيه زيد بالماء الصافي بحالة، وإن اختل الغرض من الكلام، وهو وصف زيد بالقعر بخلاف التشبيه المركب فإنه لو حذف شيء مما يوجد منه المركب لم يبق التشبيه بحاله.

واعلم أن المقصود بزيد ويصفو ويكدر زيد ماء ويصفو ويكدر فيكون من قبيل زيد أسد، بل كأنه أسقط الناسخ ماء فلا يرد أن زيدا يصفو استعارة بالكناية لا تشبيه، كما ذكره الشارح أو استعارة تبعية كما ذكره السيد السند.

(كما إذا انتزع من الشطر الأول من قوله [كما أبرقت قوما عطاشا غمامة) حكى أبرقت السماء صارت ذات برق، وفي القاموس والصحاح: أبرقت المرأة تحسنت وتزينت، والناقة شالت بذنبها وتلحقت، وليست بلاقح، ويصح كل من الثلاثة في البيت، لكن لا بد لنصب قوما من تضمين معنى الإطماع، ولا يخفى حسن المعنى الأخير، بحيث يمنع عن الالتفات بغيره، فإن الغمامة هنا كالناقة المتلقح في أنها ترى ما ليس لها، وتدعي كذبا.

وأما ما ذكره الشارح أن في الأساس أبرقت لي فلانة، إذا تحسنت لك وتعرضت، فالمعنى هاهنا أبرقت الغمامة للقوم، أي تعرضت لهم فحذف الجار، وأوصل الفعل ففيه أن الحذف والإيصال سماعي، لا يتجه بناء الكلام عليه ما لم يثبت السماع، وأن أبرقت لي لتضمين الإبراق معنى التعرض كما يفيده قوله:

وتعرضت، واكتفاء الصحاح والقاموس في تفسير أبرقت بتزينت، ولا يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>