فكل من المثالين محتمل لكل منهما، ولهما معا فكلام الشرح والمختصر أنه إن كان الغرض مجرد الملاحة من غير قصد إلى استهزاء فتمليح، وإلا فتهكم محل نظر.
والقسمة الصحيحة ثلاثية أورد الشارح على هذه العبارة أنه يستفاد منه أن وجه الشبه نفس التضاد حتى اتخذه البعض مذهبا وفساده ظاهر، إذ لو قلنا للبخيل هو حاتم في التضاد لم يكن فيه تهكم ولا تمليح، ولا حاجة حينئذ إلى قوله، ثم نزل منزلة التناسب، بل لا معنى له أصلا.
هذا وأيضا لا يفهم من قولنا: هو حاتم إلا أنه الحاتم في الجود، حتى لا يتأتى لنا أن نقول المراد هو حاتم في التضاد، وأيضا وجه الشبه حينئذ نفس التضاد، لا ما ينتزع منه.
وأجاب بأن المراد أنه نزل أحد الضدين منزلة الآخر للاشتراك في التضاد، ولجعل وجه الشبه، ويتجه عليه أن التنزيل سابق على الانتزاع، فلا يصح التراخي المستفاد من كلمة ثم.
وأجاب عنه السيد السند في حواشي شرحه على المفتاح بأن القصد إلى التراخي في الرتبة إذ العمدة في التشبيه التنزيل المذكور وما سبق كالتوطئة له، ولا يخفى أنه تكلف.
والحق أن يقال: المراد، وقد يقصد إلى انتزاع وجه الشبه من نفس التضاد، ثم ينزل منزلة التناسب فينزع.
فإن قلت بعد: لم يقع ثم موقعه، والحق الفاء.
قلت: كما يكون ثم لتراخي أول المعطوف عن المعطوف عليه يكون لتراخي آخره، والتنزيل منزلة التناسب إنما يتم بالتهكم أو التمليح كما أشار إليه بقوله:
بواسطة تمليح أو تهكم، فهو من تتمته فيتراخى التنزيل بآخره عن قصد الانتزاع.
هكذا ينبغي أن يبحث عن دقائق الكلام، وتوضيح سرائر المقام، ولا يبعد أن يقال: انتزاع وجه الشبه تحصيله بتكلف وإعمال نظر، فالمراد أنه يجعل نفس التضاد واعتبار التضاد وجه شبه تكلف لا يرتكب إلا لداع؛ فلذا عبر عنه بانتزاع، ثم ينزل ذلك التضاد المعتبر في مقام التشبيه منزلة التناسب بواسطة تمليح