للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تهكم، فينزل أحد الضدين منزلة الآخر، ويصير وجها للشبه بالآخرة.

فلهذا يحصل التمليح أو التهكم، ولا يصح التصريح بالتضاد في بيان وجه الشبه ويصح العطف بثم؛ لأن جعل التضاد وجه الشبه سابق على التنزيل، وبعد التنزيل ينقلب وجه الشبه إلى الضد التنزيلي فيقصد أولا في هو حاتم إلى أنه كالحاتم في التضاد، فإذا جعل التضاد وسيلة الجمع بينهما نزل منزلة التناسب فيصير بخله كرما تنزيلا، فيصير وجه الشبه الكرم التنزيلي، فلا يصح في مقام التصريح بوجه الشبه إلا أن يقال: هو حاتم في الكرم، ولعل المقصود في أمثال هو حاتم للبخيل أنه جانب الضد نهاية كما أن الحاتم نهاية في الجانب الآخر والتمليح في أنه أفاد كمال بخله في صورة كمال الكرم، والتهكم في أنه بالغ في كمال بخله مع إراءة أنه مبالغ في كرمه.

والشارح العلامة جعل التمليح هنا بمعنى الإشارة إلى قصة أو مثل أو شعر نادر، وجعل هو حاتم للتمليح لا للتهكم، ورده الشارح عليه بأنه اشتباه التمليح بالتلميح، وبأنه لا إشارة فيه إلى قصة لحاتم ورده حق، لكن الظاهر أن اعتبار التمليح في هو حاتم باعتبار الإشارة إلى المثل عند الشارح العلامة؛ لأن قولنا:

هو حاتم بمنزلة المثل في كمال الكرم (وأداته) أي: أداة التشبيه، أي: آلته، والأداة لغة الآلة سمي بها ما يتوسل به إلى التشبيه اسما كان أو فعلا أو حرفا، وقد بعد كل البعد من قال: إطلاق أداة التشبيه من خلط العربية بالفلسفة، ومن فروع تسميتهم الحرف أداة، على عكس تسمية المنطقيين أداة السلب بحرف السلب.

(الكاف): حرفا كانت أو اسما، والثاني يكون في الضرورة، والسعة عند الأخفش والجزولي، ويخصه سيبويه بالضرورة، ويلزم الكاف إذا دخلت على أن المفتوحة كلمة ما فيقال كما أن زيدا قائم، ولا يقال كأن زيدا قائم؛ لئلا يلتبس بكلمة كان.

(وكأن): جمعها مع الكاف مبالغة لمذهب غير الخليل (١) من أن كأن كلمة


(١) الخليل: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، الإمام صاحب العربية ومنشيء علم العروض، ولد سنة ١٠٠ هـ وتوفي ١٧٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>