للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لا يخص بالكاف ونحوها. وحق البيان في هذا المقام أن يقال: الأصل في الكاف ونحوها أن يليه المشبه به، وفي كأن أن يكون خبره المشبه، وفي الأفعال وشبهها أن يكون مفعولاتها المشبه بها، وقد يخالف ذلك نحو وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ (١) الآية وكأن مثل الحياة الدنيا ماء أنزلناه إلى آخر الكلام، وتشبيه الحياة الدنيا ماء إلى آخره، بل يقول قد يقع غير المشبه به أيضا في موقعه كما في قوله: [وكأن النجوم بين دجاها] فإن النجوم ليست مشبها بها، بل الهيئة، وقس عليه. قال الشارح المحقق: المراد أعم من أن يليه المشبه به لفظا نحو: زيد كالأسد أو كزيد الأسد، ومن أن يليه تقديرا كقوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ (٢) الآية فإن التقدير أو كمثل ذوي صيب فحذف ذوي بقرينة الضمائر الطالبة له وحذف مثل بقرينة جعله مشبها بها لمثلهم يشهد بأن مثل الآية مما يلي الكاف المشبه به، دون غيره كون المقدر كالملفوظ فيما بينهم وكلام الكشاف والإيضاح، وما صرح به المصنف في الإيضاح حيث قال: وأما قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ (٣) فليس منه يعني من قبيل ما لا يلي المشبه به الكاف؛ لأن المعنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: من أنصاري إلى الله.

هذا ويتبادر من عبارة الإيضاح أنه حذف من بين كلمة ما، وقال كان الحواريون أنصار عيسى حين بيّن، ولا يرشد إلى صحته حذف قاعدة فهو بيان لحاصل المعنى، ولهذا قال: لأن المعنى ولم يقل؛ لأن التقدير كونوا أنصار الله ككون وقت قول عيسى، فالمحذوف مضاف ومضاف إليه كما صرح به المفتاح.

وإضافة الكون إلى الوقت إضافة المظروف إلى الظرف على نحو ضرب اليوم وهذا مما أخفى على أقوام فاشتبه عليهم أنه كيف يضاف الكون إلى الوقت، ولا يبعد أن يجعل ما في كما قال موصولة أي: كالكون الذي قال عيسى لأجله من أنصاري إلى الله، والأوجه أن التشبيه إلى نفس القول يجعل قول عيسى بمنزلة


(١) الكهف: ٣٢.
(٢) البقرة: ١٩.
(٣) الصف: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>