للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغزال)] (١) فإنه أراد أن الممدوح به قد فاق الخلق؛ بحيث لم يبق بينهم وبينه مشابهة، والحال أنه منهم والفائق على هذا الوجه كالممتنع أن يكون من المفوق فاحتج لإثبات كونه منهم بأن حاله كحال المسك، فإن المسك بعض دم الغزال، وقد فاق الدماء بحيث لم يبق له مشابهة بها وجعل الدليل لدفع إنكار كونه منهم أبلغ من جعله لدفع إنكار تفوقه؛ لأن المناسب بمقام المدح هذا، واعرفه ودع ما اشتهر أنه لدفع إنكار تفوقه، وهو منهم فالتشبيه معتبر في نظم البيت ومن المطويات فيه ومن مقدمات الحجة المشار إليها بقوله: فإن المسك بعض دم الغزال، فلا يرد أن جعل البيت من قبيل الشبيه لبيان الإمكان فرية بلا مرية؛ إذ لا تشبيه فيه نعم الأنسب بمقام المدح أنه يجعل التشبيه لبيان الوقوع إذا لإمكان كثيرا ما يعرى عن الوقوع.

(أو حاله) عطف على إمكانه (كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد) ويتجه أنه هل البليغ نختار التشبيه على الإخبار عنه بالسواد، فإن هذا أسود أوضح وأخصر من هذا كهذا في السواد، ويمكن أن يقال في التشبيه يستفاد خصوصية السواد ولا يستفاد في الإخبار، ولا يدخل بهذا في بيان المقدار؛ لأن بيان المقدار مسبوق بمعرفة الحال وبيان اللون في أول الأمر مثلا، وإن كان على وجه يتضمن معرفة المقدار لا يعد من بيان المقدار.

وفي كلام السيد السند من شرحه للمفتاح إشعار بذلك حيث قال في شرح قول المفتاح: أو لبيان مقدار حاله يعني أن حاله معلومة، فيراد بيان مقدارها في الشدة والضعف والقلة والكثرة إلى غير ذلك، ومقابله بيان الحال وما يتبعها ببيان الإمكان ونظايره مع أنها من الأحوال بناء على أن المتبادر من الحال ما بعد الوجود.


(١) البيت للمتنبي في ديوانه ٣/ ١٥١، من قصيدة يرثي فيها والد سيف الدولة. انظر البيت في الإيضاح:
٢٢٠، والإشارات: ١٨٧، والفاء في قوله- فإن المسك- للتعليل، والجواب محذوف تقديره فلا غرابة في ذلك، والتشبيه في البيت يسمى معنويا وضمنيا ومكنيا عنه، لأنه ذكر في الكلام لازم التشبيه وهو وجه الشبه- فوقان الأصل- وأريد الملزوم وهو التشبيه، ومن ذلك قول ابن الرومي:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبان
كم من أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان

<<  <  ج: ص:  >  >>