بضمهما بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم، فيقال: غرة الصبح لبياضه (وجه الخليفة حين يمتدح)] فإنه قصد إيهام أن وجه الخليفة أتم من غرة الصباح في الوضوح، والبعد عن ظلمة العبوس.
قال المصنف: وفي قوله حين يمتدح دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح، وبالارتياح له وكونه كاملا في الكرم والاتصاف بالبشر والطلاقة عند استماع المديح. هذا، ولا يخفى أن في إبراز يمتدح مجهولا تربية لطيفة لذلك يعرفه الذكي، فإنه يشعر بأنه لا مدخل في ذلك لخصوصية مادح، ثم أقول لك: أيها الفطن العارف بمقدار اللطايف، المتخلص عن ربقة التقليد، المتعرف بخفايا حسن المعاني، كالقايف إن الشعر يجوز أن يكون تشبيها غير مقلوب بأن يكون تشبيه غرة الصباح بوجه الخليفة في سرعة انتشارها، ولا يخفى أن سرعة انتشار الطلاقة في وجه الخليفة أتم منها بالنسبة إلى انتشار ضوء الصبح.
(و) الضرب (الثاني) من الغرض العائد إلى المشبه به (بيان الاهتمام به كتشبيه الجايع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف) لا في مجرد الإشراق والاستدارة، كما ينبىء عنه ظاهر هذه العبارة، بل في استلذاذ النفس به، فإن استلذاذ النفس بالرغيف ليس باعتبار استدارته وإشراقه فحسب.
(ويسمى هذا) النوع من الغرض (إظهار المطلوب) قال السكاكي: لا يحسن المصير إليه إلا مقام الطمع في تسني المطلوب، يعني تيسره كما يحكي عن الصاحب ابن عباد (١) أن قاضي سجستان دخل عليه فوجده الصاحب متغنيا فأخذ يمدحه حتى قال: وعالم يعرف بالسنجري، وأشار للندماء أن ينظموا عن أسلوبه ففعلوا واحد بعد واحد إلى أن انتهت النوبة إلى شريف من البين، فقال: أشهى إلى النفس من الخبز، فأمر الصاحب أن يقدم له مائدة دقيقة أشهى إلى النفس من الخبز تشبيه مقلوب في المآل؛ لأنه جعل زائدا على الخبز في المشترك بينهما، وهو كونهما مشتهى للنفس.
(هذا) الذي ذكرناه من جعل أحد الشيئين مشبها، والآخر مشبها به إنما يكون (إذا أريد إلحاق الناقص) في وجه الشبه كذا في الإيضاح (حقيقة) كما
(١) ابن عباد: هو أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، توفي سنة ٤٣٣ هـ.