أحدهما (أن تأخذ بعضا) مما لاحظته (وتدع بعضا)، لا بمعنى أن تسقطه عن النظر، وتعرض عنه بالكلية، وإلا فلا يكون المعتبر في التشبيه إلا البعض المأخوذ، فإن كان واحدا فيكون وجه شبه واحد، لا تفصيل فيه، وإن كان متعددا كان وجه الشبه أمورا نظر فيها، واعتبر الجميع ويكون ملاحظة ما تركته كالعدم في باب التشبيه، بل بمعنى أن تعتبر عدمه، وتجعله داخلا في وجه الشبه، وتجعل الوجه هيئة ملتئمة من وجود بعض وعدم بعض.
فإن قلت: فإذا كان المشبه به ما لم ينعدم فيه ذلك الوصف، فكيف يشبه به في الهيئة الملتئمة من الوجود والعدم؟
قلت: المشبه به إنما يشبه به بعد التجريد عن الوصف وبعد اعتبار اتصافه بعدمه فالمشبه به حينئذ أمر وهمي.
فإن قلت: فيكون وجه الشبه أمرا نظر فيه في أكثر من وصف، واعتبر الجميع فليس هناك إلا قسم واحد.
قلت: نعم كذلك عند التحقيق، إلا أنه قسم نظر إلى بادي الرأي، وميز بين القسمين. لأن في القسم الأول مزيد دقة وفضيلة اعتماد؛ ولذا قدمه (كما في قوله) أي قول امريء القيس [(حملت ردينيّا) أي: رمحا ردينيا، يقال: رمح رديني، وقناة ردينية، وردينة امرأة السمهر؛ زعموا أنهما زوجان كانا يقومان القنا بخط هجر، فيقال: رمح رديني، وقناة ردينية، ورمح سمهري وقناة سمهرية (كأنّ سنانه سنا) ضوء البرق واللهب (لهب) كالفرس والفلس اشتعال النار إذا خلص من الدخان، كذا في القاموس فحينئذ يلغو قوله (لم يتصّل بدخان)] (١) وفي حواشي السيد السند أنه شعلة نار يعلوها دخان (لم يتصل بدخان) فقد أخذ السنان مجردا عن الدخان؛ لأنه يقدح في تشبيه المقصود، ولا يتم وجه الشبه بدون اعتبار عدمه.
ونقل عن أبي الحسن أن هذا من تشبيه الشيء بالشيء صورة ولونا وحركة
(١) البيت ليس في ديوانه، ويروى (يختلط) بدلا من (يتصل)، الرديني: الرمح المنسوب لامرأة تسمى ردينة اشتهرت بصناعة الرماح. انظر البيت في الإيضاح: ٢٣٣، الإشارات: ١٩٦.