للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهيئة، ونحن نقول: يحتمل التشبيه في كثرة التأثير وسرعته أيضا.

ومن غرابة التشبيه ولطفه هنا أن يعتبر كون السنان متصلا بالخشب ككون اللهب كذلك في الأغلب. (و) الثاني (أن يعتبر الجميع كما مر من تشبيه الثريا) والشيخ جعل أقسام الأعرف الأغلب ثلاثة ثالثها أن ينظر إلى خاصة الجنس، كما في عين الديك حيث يشبهه يسقط من النار فإنك لا تقصد فيه إلى نفس الحمرة، بل إلى ما ليس في كل حمرة، ثم قال: إنما جعلت هذه القسمة في التفصيل موضوعة على الأغلب الأعرف؛ لأن دقائق التفصيل لا يكاد يضبط، وكان المصنف عدل عنه، ولم ينظم الثالث في تقسيم سلك الأعرف؛ لما رآه مكثورا بالقسمين المذكورين.

(وكلما كان التركيب من أمور أكثر كان التشبيه أبعد)، لكون تفاصيله أكثر، فلو قال: وكلما كان التفصيل أكثر كان أوضح وأخصر، ومن العلم في ذلك قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا (١) الآية فإنها عشر جمل متداخلة قد انتزع الشبه من مجموعها.

(والتشبيه البليغ ما كان من هذا الضرب) لم يقل منه؛ لأن الظاهر من الضمير عوده إلى ما كان تركيبه من أمور أكثر؛ فلهذا أضرب عنه إلى الظاهر، فإن قلت: البلاغة لا يوصف بها إلا الكلام والمتكلم والتشبيه ليس شيئا منهما، فكيف وصف بهما، ولو حمل على الكلام الذي فيه التشبيه، فالبلاغة باعتبار المطابقة لمقتضى الحال، لا باعتبار كون التشبيه غريبا أو قريبا، فربما كان الخطاب مع مخاطب يستدعى تشبيها قريبا، فلا يكون الغريب بليغا.

قلت: المراد بالتشبيه البليغ ما يكون صاحبه بليغا معدودا من البلغاء بمعنى التشبيه المخصوص بالبليغ المعتبر عنده الغريب البعيد دون القريب المبتذل أو البليغ بمعنى الواصل إلى درجة القبول من البلوغ بمعنى الوصول، وكلاهما تكلف، لكن لا بد منه، ومنه قولهم: المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والصريح.

(لغرابته) لا إلى حد الخفاء المردود المعدود في التعقيد، والمعاني الغريبة أعلى رتبة لعدم خسة الشركاء فيه، فرب شريف يبرز في معرض الخسيس لخسة الشركاء


(١) يونس: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>