للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، (ولأن نيل الشيء بعد طلبه ألذ) حتى إنه يضرب لما يصل إليه بعد الطلب ببرد الماء على الظمأ، ولا ينافي بينه وبين ما يستعملونه من أن حصول نعمه غير مترقبة ألذ، فإن الطلب لا ينافي الحصول غير المترقب، فإنه يمكن حصول المطلوب قبل وقت ترقبه أو من غير موضع يطلب منه، ويترقب منه فإذا اجتمع الطلب وعدم الترقب فقد بلغ الدرجة العليا من اللذة (وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا) قال: وهو على وجوه منها:

أن يكون (كقوله) يعني في أن يجعل التشبيه مبنيا على إثبات أمر للمشبه به ليس له كعدم الحياء للشمس في هذا البيت [(لم يلق هذا الوجه شمس نهارنا) أي: لم ير ولم يبصره (إلا بوجه ليس فيه حياء] (١) لأن رؤية عظيم القدر بعد التجاوز عن حد الأدب خلاف الحياء، والشمس قد تجاوز حدها في دعوى المشابهة، فالتشبيه ضمني ومكني. وجوز الشارح كون يليق بمعنى عارض، أي لم يعارض هذا الوجه شمس نهارنا فيكون التشبيه صريحا، ويكون الملاقاة منبئة عن التشبيه، وفي البيت وجوه أخر لا يبعد أن يجعل موجبه للغرابة:

أحدها: جعل التشبيه مقلوبا، وهو يخرج التشبيه عن الابتذال والغرابة.

وثانيها: جعل التشبيه مكنيا وضمنيا.

وثالثها: ما تضمنه جعل التشبيه ضمنيا من أن الشاعر يستحي من بيان دعوى مشابهة للشمس صريحا فيجعله مكنيا، ولو جعل هذا الوجه فاعل لم يلق إشارة إلى الشمس وشمس نهارنا كناية عن الممدوح مفعولا. لقوله لم يلق لكان فيه تصرف في غاية اللطف، حيث عزل الشمس عن كونه شمس النهار وجعل كون المحبوب شمس النهار أمرا مقررا، وأمثله قول الآخر:

إنّ السّحاب لتستحي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيها (٢)

ومن لطائف هذا التشبيه أن إثبات الحياء للسحاب يستتبع كون المطر عرق وجه السحاب؛ لأن الحياء يوجب عرق الوجه وانسكاب قطرات العرق.

(و) منها ما يكون مثل (قوله) يعني في تعليق التشبيه بما تعرض تعليقا صريحا


(١) البيت للمتنبي في ديوانه والإيضاح: ص ٢٣٨.
(٢) البيت لأبي نواس: وهو في الإيضاح: ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>