للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للدلالة على أنه تحصيل الحاصل عقّبه بقوله: (والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) (١) ذبّا عن سابقه، فقول الشارح: هذا ابتداء بحث ليس بذاك، فإن قلت: قد قال في الإيضاح؛ وقيل: دلالة اللفظ على معناه لذاته وهو ظاهر الفساد فحكم بظهور فساده، وهنا بأن ظاهره فاسد، ولم يجزم بفساده.

فما الحق منهما.

قلت: مراده في الإيضاح أن ظاهره ظاهر الفساد، كيف وقد عقبه بأنه يأوله السكاكي، ومراده هنا بفساد ظاهره الفساد الظاهر أشار إليه بعدم بيانه، كأنه قال: ظاهره فاسد يستغنى عن البيان.

قال صاحب المفتاح: من المعلوم أن دلالة اللفظ على مسمى دون مسمى، مع استواء نسبته إليهما يمتنع فيلزم الاختصاص بأحدهما ضرورة، والاختصاص لكونه أمرا ممكنا يستدعي مؤثرا، وذلك بحكم التقسيم. أما الذات أو غيرها إما لله تعالى وتقدس أو غيره، ثم إن في السلف من يحكي عنه اختياره الأول، ومنهم من اختار الثاني، ومنهم من اختار الثالث.

هذا كلامه، يريد بمن يحكي عنه سليمان بن عباد الضميري، وبمن اختار الثاني الشيخ أبو الحسن الأشعري، حيث قال الواضع هو الله تعالى، ووافقه كثير من المحققين.

وبمن اختار الثالث البهشيمة، ومراده أن دلالة اللفظ مع استواء نسبته ممتنع فلا يكون نسبته مستوية، فاختلف في وجه الاختصاص لا ما يوهم الشارح أن دلالة اللفظ على معنى دون معنى لا بد لها من مخصص؛ لتساوي نسبته إلى جميع المعاني فاختلف فيه؛ لأن من المخالفين من قال: المخصص هو الذات، فكيف تقول بتساوي النسبة؟ ثم قال: ولعمري إنه فاسد؛ فإن دلالة اللفظ على مسمّى لو كانت لذاته كدلالته على اللافظ، وإنك لتعلم أن ما بالذات لا يزول بالغير؛ لكان يمتنع نقله إلى المجاز، وكذا إلى جعله علما، ولوجب فهمنا معاني الهندية كوجوب فهم اللافظ منها، ولكان يمتنع اشتراك اللفظ بين متنافيين لأدائه إلى فهم الاتصاف بالمتنافيين، من قولنا: هو جوره، ووجوه فساده أظهر من أن يخفى،


(١) أي لا بالوضع، وهو قول عباد الصّيمريّ من المعتزلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>