هذا تتمة كلامه، مع تنقيح. والحاصل: أن دلالة اللفظ لذاته بديهي الفساد، ويذكر لها منبهات، والمنبهات عليها كثيرة جدا، فالمناقشة في بعض ما ذكر، وأن يؤدي إلى إبطاله لا تنفع، بل لا يفيد إلا تقليلا في المنبه، فتنبه إلا أن جعله دلالة اللفظ على اللافظ لذاته محل بحث؛ لأنه لعلاقة عقلية لا أنه لوضوحها لا تنفك عنه الدلالة، وكأنه أراد بالدلالة لذاته أن نفس اللفظ يستلزم العلاقة، ولا ينفك عنها، ولا يكون دائرا على اعتبار معتبر.
(وقد تأوله) أي: الحكم بدلالة اللفظ لذاته (السكاكي)(١) حيث قال:
الذي يدور في خلدي أنه رمز، وكأنه تنبيه على ما عليه أئمة علمي الاشتقاق والتصريف- رحمهم الله- من أن للحروف في أنفسها خواص بها يختلف بها، كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة والتوسط بينها، أو غير ذلك مستدعية في حق المحط بها علما أن لا يستوي بينهما، وإذا أخذ في تعيين شيء منها لمعنى أن لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة، مثل ما ترى في الفصم بالفاء التي هي حرف لكسر الشيء من غير أن يبين، والقصم بالقاف التي هي حرف شديد لكسر الشيء حتى بين، وأن للتركيبات كالفعلان والفعلي تحريك العين فيهما، مثل:
النزوان والحيدي لما في مسماهما من الحركة، وفعل مثل شرف للأفعال الطبيعية اللازمة خواص أيضا؛ فيلزم فيها ما يلزم في الحروف، وفي ذلك نوع تأثير لأنفس الكلم في اختصاصها بالمعاني.
هذا ولا يخفى أن ما أول به كلام ابن عباد يخرجه عن أن يكون من المخالفين في اختصاص بعض الكلم ببعض المعاني للوضع، ويكون مدعيا؛ لأن الاختصاص لذات اللفظ كما دل عليه أول كلامه على طبق ما في كتب الأصول، وكأنه يجعل القول بكونه من المخالفين وهما من الناس من ظاهر كلامه، ويمكن التأويل بأنه أراد بجعل الدلالة لذات اللفظ نفي توقف الدلالة على إرادة المعنى به، وأن يراد أن الدال ليس إلا نفس اللفظ، وليس الوضع من تتمة الدال، والأوجه أنه أراد أن بين اللفظ ونفس المعنى مناسبة يقتضي الانتقال، وكأن