انتقال الأوائل منه إلى المعنى لإلهام الله تعالى تلك المناسبة، فلما اشتهر كل لفظ في معنى استغنى في الانتقال منه إليه عن تلك المناسبة، فاكتفى في الانتقال بالاختصاص العرضي، فلم يلهم بالمناسبة بعده، ولا وضع لا لله ولا لغيره، والله تعالى أعلم. ولا اعتداد إلا بما ألهم، اللهم ألهمنا رشدنا، ولا تضع عاجلا وآجلا جهدنا ولا تكلنا إلى أنفسنا، (فإنك لو وكلت ليس على شيء أنفسنا)(١).
قال المصنف: قيل المجاز مفعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه أي: تعدت موضعها الأصلي، ولم ينسبه إلى السكاكي؛ لأنه ليس مخصوصا به، بل ذكره الشيخ في أسرار البلاغة مع وجه آخر، وهو أنه من جاز به المكان على معنى أنهم جازوا بالكلمة مكانها الأصلي، فيكون المجاز بمعنى المجوز بها، ولم يلتفت إليه المصنف لاحتياجه إلى تكلف تقدير حرف الجر مع الاستغناء عنه، وكأنه حمل الشيخ على الالتفات به أن يكون نظيرا للحقيقة في كونها بمعنى الفاعل أو المفعول.
ثم قال المصنف: وفيه نظر، وبينه الشارح المحقق، وتبعه السيد السند فقالا: وجه النظر أن جعل المصدر بمعنى الفاعل تكلف، ولا يخفى أنه مما لا يعد في مقام التسمية تكلفا، ومثله أكثر من أن يحصى، ومنه اللفظ والمعنى، ولعل وجه النظر أن تسميتهم المجاز طريقا وتعريفهم البيان بإيراد معنى واحد بطرق مختلفة في الوضوح إلى غير ذلك، ينبو أن يسمى مجازا بمعنى الجائز؛ لأن الطريق ليست الجائزة، بل محل الجواز؛ ولهذا قال: والظاهر أنه من قولهم: جعلت كذا مجازا إلى حاجتي أي: طريقا لها على أن معنى جاز المكان سلكه على ما فسره الجوهري وغيره، فإن المجاز طريق إلى تصور معناه.
هذا وأشار الشارح إلى ضعفه، حيث سمى قوله زعما، وكان وجه ما ذكره السيد السند في حواشي شرح مفتاحه: أنه لا يلائم ما ذكر في الحقيقة لفوات التقابل، ونحن نقول: لا خفاء في فوت التقابل، لكن لا يوجب إهمال هذا الوجه، بل ترك ما ذكر في الحقيقة إلا ما يلائمه فتسمية المجاز في غاية الحسن؛ لأن المعنى المجازي كالسائلة التي لا تسكن لفظ المجاز بخلاف الحقيقة، فإنه كسكن
(١) كذا بالأصل ولا أدري أهي من تعقيدات المصنف وعجمته الشائعة في الكتاب أم هي تحريف من النساخ.