إنما أخرنا زيدا في المثال الأول؛ لأنه لو قدم احتمل الكلام رجوع التشبيه إلى زيد، بناء على أن الخبر قصد به المفهوم، ولا معنى لرجوعه إليه، وأما في المثال الثاني فتأخيره للموافقة ودفع توهم استناد الفرق إلى التقديم والتأخير؛ لأن قولنا:
زيد بد مردي همجو شيرست، لا يحتمل إلا تشبيه ذات ما وإلا للغا ذكر مردي، وأن مردي همجو شيرست في صورة التقديم خبر لموجب احتمال رجوع التشبيه إلى زيد بحاله.
نعم لا ينكر جودة ما قال إنك إذا قلت: زيد أسد لم يحسن تقدير الأداة؛ لأن ظاهر دعوى حمل الأسد عليه، وأنه مندرج تحته مبالغة، فلو قدرت فاتت المبالغة، بخلاف ما إذا قلت: زيد الأسد، فها هنا ثلاث مراتب.
الأولى: ادعاء المشابهة بأداة التشبيه لفظا أو تقديرا نحو: زيد كالأسد، وزيد الأسد.
الثانية: ادعاء اندارجه تحت الأسد، كقولك: زيد أسد.
الثالثة: جعل اندراجه تحته مسلما، فالأولى تشبيه اتفاقا، والثالثة استعارة اتفاقا، وأما الثانية فقد ترقّت عن مرتبة صريح التشبيه؛ حيث سيق الكلام ظاهرا؛ لكونه فردا منه، لكن القصد حقيقة إلى إثبات الشبه بطريق المبالغة، ويجوز تقدير الأداة نظرا إلى المآل، وإن لم يحسن نظرا إلى الظاهر، ولا ينتقض ذلك بالاستعارة؛ لأن اللفظ هناك قد استعير بمعنى آخر، وأطلق عليه فتسميتها بهذا الاسم أولى؛ لمزيد اختصاص ومناسبة بينهما، ومن سماها استعارة فكأنه أراد التنبيه على ارتفاعها عن حضيض التشبيه، ولا بد له أن يفسر الاستعارة بما يتناولها أيضا، إذ تعريف المصنف لا يتناولها كما عرفت.
ومما يجب الاحتياط فيه مواضع اشتباه التشبيه بالاستعارة، فإنه ربما يشتبه لتعارض أماراتها حتى قال صدر الأفاضل: إذا ترك المشبه بالكلية وأتى بوجه الشبه ففيه إشكال، نحو: رأيت أسدا في الشجاعة؛ لأن ترك المشبه لفظا وتقديرا، وإجراء اسم المشبه به عليه يقتضي أن يكون هذا استعارة، وذكر وجه الشبه يقتضي أن يكون تشبيها، أي: رأيت رجلا كالأسد في الشجاعة قال الشاعر: