للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاحت من بروج البدر بعدا ... بدور مها تبرّجها اكتنان

يعني لاحت من قصور مثل بروج البدر في البعد بقرات وحشية، هي كالبدور، إظهارهن زينتهن للرجال اختفاء، والمها: جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية.

قال الشارح: فالظن أنّ مثل هذا تشبيه؛ لأن المراد بكون المشبه مقدرا أعم من أن يكون محذوفا جزء كلام، أو يكون في الكلام ما يقتضي تقديره، هذا يعني ما يقتضي اعتباره وكونه مرادا في معنى الكلام، وإن لم يكن تقديره على وجه لا يختل نظامه كذا يستفاد من كلام السيد السند، لكن لا يوجد ما لا يمكن تقدير المشبه بدون اختلال النظم، فإن في كل ما بعد استعارة يمكن تقدير «مثل»، فيقال في: جاءني أسد، تقديره: جاءني مثل أسد، وفي: جاءني أسد في الشجاعة، جاءني مثل أسد في الشجاعة.

وينقدح من هذا أن إثبات الاستعارة في كلام العرب مشكل جدا، ومما جعلوه تشبيها قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (١)

واستدلوا عليه بأن بيان الخيط الأبيض بالفجر قرينة على أن الخيط الأسود أيضا مبين سواد الليل، ولا يخفى أن الخيط الأبيض إذا كان مشبها به لا يصح أن يكون مبيّنا بالفجر، بل المبين به المشبه المقدر في الكلام ففيه مسامحة، وأن البيان لا ينافي كون الخيط الأبيض استعارة؛ لأن استعمال الخيط الأبيض في الفحر، بناء على ادعاء دخوله تحت جنس الخيط الأبيض، فلو بين أن المراد بالخيط الأبيض، أي: فرد منه من فرديه المتعارف وغير المتعارف، لم يكن بعيدا.

ومن علامات الاستعارة التي ذكرها الشارح وعدها السيد جيدة: هو أن يصح وضع اسم المشبه مقامه، كما في: رأيت أسدا يرمي، فإنه يصح: رأيت رجلا شجاعا يرمي، ولا يفوت إلا المبالغة في التشبيه، وفيه أنه يصح في التجريد أيضا مثل ذلك، فيصح أن يقال في: لقيت من زيد أسدا، لقيت منه رجلا


(١) البقرة: ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>