للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترض عليه بأنه لا دلالة للعام على الخاص بوجه من الوجوه.

على أن اعتراضه مما يتعجب منه؛ لأن الدلالة المعتبرة في المجاز تشمل الدلالة بمعونة القرينة.

وفيه بحث؛ لأنه إذا جوز أن لا يكون «نعم ما فعلت» مجازا في مقابلة من قال: أكرمت زيدا، بأن يكون فعلت واقعا باعتبار الخارج على الإكرام بالقرينة، وتكون القرينة مقيدة للعام المستعمل بعمومه لزم أن لا يوجد من قسم المجاز ما يكون عاما مستعملا في الخاص؛ إذ لا يوجد في عام قرينة صارفة عن المعنى الموضوع له، إذ كل ما يظنه قرينة صارفة، يحتمل أن يكون قرينة لوقوع العام على الخاص، ويكون العام معها مستعملا على عمومه، فلا يكون قرينة صارفة.

(وقيل: إنها مجاز عقلي) لا بمعنى إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس غير ما هو له بتأول، بل (بمعنى أن التصرف في أمر عقلي لا لغوي) (١) وهذا النفي مدار النزاع، وإلا فلا ينكر من يجعله مجازا لغويا هذا الادعاء؛ ولهذا تردد قول الشيخ عبد القاهر بين كونه مجازا لغويا، وبين كونه مجازا عقليا، فتارة أطلق عليها المجاز اللغوي، وتارة المجاز العقلي لا لالتباس حقيقة الأمر عليه، فإنه مما لا يتوهم في شأنه ذلك، بل للتنبيه على أنها ليست لمجرد نقل اسم، بل فيه احتمال عقلي؛ (لأنها لما لم تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به) بأن جعل الرجل الشجاع فردا من أفراد الأسد.

(كان): تامة جواب لما (استعمالها فيما وضعت له) متعلق بالاستعمال، فلا حاجة إلى ما في الشرح: أنه في تقدير: استعمالا فيما وضعت له يعني الأسد استعمل في مفهومه الحقيقي، وسراية الحكم عليه إلى الرجل الشجاع كسرايته إلى سائر أفراده الحقيقية بناء على إحاطته بالرجل الشجاع لقضية الادعاء المذكور، ولا يخفى أن مجرد ادعاء الدخول يكفي في كون الأسد حقيقة، سواء كان الدخول بدعوى أن للأسد فردين، متعارفا وهو ما له الهيكل المخصوص، وغير متعارف


(١) هذا أيضا خلاف لفظي كالخلاف السابق في التشبيه المؤكد أنه استعارة أو لا، ولا معنى للاشتغال بمثل ذلك في علم البيان، ويريد بقوله- بمعنى أن التصرف إلخ- أن المجاز العقلي هنا غير المجاز العقلي السابق في باب الإسناد الخبري من علم البيان.
راجع بغية الإيضاح ٣/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>