إسناد طار إلى الرجل مجاز، أي: طار فرسه بسعيه إليها.
وتتمة الحديث:«أو رجل في شعفة في غنيمة حتى يأتيه الموت» يعني صلّى الله عليه وسلّم:
«خير الناس رجل آخذ بعنان فرسه واستعد للجهاد، أو رجل اعتزل الناس، وسكن في رأس جبل في غنم قليل قنع بمنافعها، واشتغل بالعبادة حتى يموت».
استعار الطيران لعدو الفرس، والجامع داخل في مفهومهما.
(فإن الجامع بين العدو والطيران، هو قطع المسافة بسرعة وهو داخل فيهما)(١)؛ إذ الطيران: قطع المسافة بسرعة الجناح، والعدو: قطعها بالأقدام بسرعة، أو الأول قطع المسافة في الهواء، والثاني قطعها في الأرض.
واعترض عليه الشارح: بأن السرعة غير داخلة في مفهوم الطيران، بل هو مجرد قطع المسافة بالجناح غايته أنه في الأكثر بالسرعة.
هذا، والشيخ فرّق بين العدو والطيران، والإنسان والفرس والأسد، بأن الأولين من جنس واحد، هو المرور، وقطع المسافة، وإنما الاختلاف بالسرعة؛ لأنها مما يقبل الشدة والضعف، وذلك لا يوجب اختلافا في الجنس، بخلاف الأسد والإنسان، فعلى هذا للاستعارة تقسيم آخر هو أن الطرفين إما من جنس واحد، أو من جنسين، لكن في حصر ما به الاختلاف في السرعة، بل في جعلها ما به الاختلاف نظر لا يخفى على من نظر فيما سبق.
(وإما غير داخل) عطف على قوله: (إما داخل)، وغير الداخل في مفهومهما يحتمل أن يكون داخلا في مفهوم أحدهما، كما في تشبيه العدو بالطيران في قطع المسافة بسرعة، فإنه داخل في مفهوم العدو دون الطيران، كما حقق.
وقد خالف بين تقسيم التشبيه باعتبار دخول وجه الشبه وخروجه، وبين تقسيم الاستعارة فقال في تقسيم التشبيه: وجهه إما غير خارج عن حقيقة الطرفين، أو خارج عنهما، فجعل الخارج عن أحد الطرفين داخلا في القسم الأول، وهنا جعله داخلا في القسم الثاني، ولو أردت تطبيقهما فاجعل الداخل في الطرفين في تأويل الداخل في أحدهما، وحينئذ يندفع اعتراض الشارح على التمثيل باستعارة الطيران للعدو.