(كما مر) من استعارة الأسد للرجل الشجاع، فإن الشجاعة خارجة فيه عن الطرفين لظهور أن الأسد موضوع للحيوان المخصوص، والشجاع وصف له، والمستعار له هو الرجل الموصوف بالشجاع، والصفة خارجة، ولا تعويل على ما قال الشيخ في «أسرار البلاغة» من أن الأسد موضوع للشجاعة، لكن في تلك الهيئة المخصوصة، لا للشجاعة وحدها.
(وأيضا) تقسيم آخر للاستعارة باعتبار الجامع وهو أنها (إما عامية) منسوبة إلى العامة (وهي المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو: رأيت أسدا يرمي، أو خاصية) منسوبة إلى الخاصة (وهي الغريبة) أي: البعيدة عن العامة، أو عن كل أحد إلا أن الخاصة يدركونها بسرعة سيرهم.
(والغرابة قد تكون في نفس الشبه (١) كما في قوله) أي: قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا له بأنه مؤدب: أنه إذا نزل عنه، وألقى عنانه في قربوس سرجه وقف مكانه حتى يعود إليه.
(وإذا احتبى قربوسه) القربوس محرّكة، ولا يسكّن إلا للضرورة، وهو:
حنو السرج على ما في القاموس. وفي الصحاح: المعتمد الذي رأيناه القربوس للسرج، فالقربوس مقدم السرج، ولا حاجة إلى حذف مضاف أي: مقدم السرج كما يوهمه عبارة الشارح، حيث قال: قربوسه أي: مقدم سرجه. وفي الصحاح: القربوس السرج (بعنانه علك) مضغ (الشّكيم) كالشكيمة الحديدة المعترضة في فم الفرس (إلى انصراف الزّائر).
يعني إلى انصرافي، عبّر عن نفسه بالزائر للدلالة على كمال تأدبه؛ حيث يقف مكانه، وإن طال مكثه كما هو شأن الزائر للحبيب يدل عليه ما قبله
عوّدته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
والمخاطر: طالب الشفاء على خطر هلك، أي: مثل ذاك الرجل، يريد نفسه في تعويد فرسه كل مخاطر، شبه هيئة وقوع العنان في القربوس ممتدا إلى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثوب في ركبة المحتبي ممتدا منحدرا إلى جانبي ظهره،
(١) يعني بالشبه التشبيه أي في التشبيه نفسه لا في الجامع، بأن يكون تشبيها نادرا لبعد ما بين الطرفين، كما في البيت، فإن أحدهما من وادي القعود والآخر من وادي الركوب مع ما في ذلك من كثرة التفصيل.